في ذكراها الثالثة عشر، تظل ثورة "٢٥ يناير" واحدة من أنصع المناسبات الوطنية علي طول التاريخ المصري الحديث، رغم كل ما أحاط بها من طفيليات أصابتها بالضعف والهوان.
تلك الثورة التي انطلقت شرارتها الأولي احتجاجا علي واقع مرير، وتعبيرا واضحا عن رفض نظام حكم أصاب البلاد بالجمود والترهل، بفعل الفساد وغياب التخطيط والرؤية السياسية الوطنية الشاملة، علاوة علي إهدار كافة مباديء العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.
لم يكتف النظام الحاكم وقتها بإهانة كافة القيم وإهالة التراب علي مصر الحضارة وتاريخها العريق، وإنما راح يكرس لتوريث الحكم وترك الدولة لـ "شلة" من الهواه أغرقوا البلاد في وحل التزوير الفاضح للانتخابات البرلمانية بمباركة من رأس النظام الذي سخر من الشعب بمقولته الشهيرة " خليهم يتسلوا".
كانت القوات المسلحة المصرية تراقب المشهد عن قرب، ووفقا لعقيدتها الراسخة منذ فجر التاريخ، انحاز الجيش لحركة الشعب في الشوارع والميادين، رافضا المساس بأي مواطن مصري خرج للتعبير عن رأيه سلميا، فكان الهتاف الأبرز في تلك الأيام الخالدة "الجيش والشعب ايد واحدة"، وهو الهتاف الذي أزعج أعداء الخارج وعملائهم في الداخل.
تحت شعار "الإيد الواحدة" انخرط الشباب في تنظيم حملات النظافة بالشوارع والميادين العامة وتلوين الواجهات بلوحات فنية تعبر عن ثقافة شعب ضارب تليق بحضارة هي الأعظم في التاريخ.
تكفل الشباب بحماية المنشآت العامة والخاصة بلجان شعبية وعت أهمية الأمن لبناء الدولة المدنية الحديثة بعد تحقيق مطالبهم بإسقاط النظام الحاكم، ولكن للمرة الثانية ولم تكن الاخيرة انزعج الطامعون في الحكم.
لقد كان أعداء مصر التاريخيين والمتربصين بها يريدونها فوضي عارمة تمكنهم من التدخل في الشأن المصري وتفتح لهم الطريق للسيطرة علي مقدرات البلاد فضلا عن التحكم في مفاتيح الأمن القومي المصري والعربي والإقليمي وتمرير مخططاتهم العابرة للأزمان والقرون، وتحقيق حلم أجدادهم في حكم مصر.
بفعل حالة النقاء الثوري والمراهقة السياسية التي سيطرت علي كثير من شباب الثورة، لم يصدق أحد ان جهات خارجية دخلت علي خط الأحداث عبر جماعات ومنظمات لتمرير تلك المشروعات الاستعمارية، التي تمثل حلما قديما لعدة قوي إقليمية ودولية، حلما يتجدد مع كل كبوة تمر بها مصر .
ولان جيش مصر الوطني هو المؤسسة الوحيدة التي احتفظت بقبول الشعب وتأييده الكاملين في هذه الفترة العصيبة، كان لابد من إشاعة حالة رخيصة من الاستقطاب تبنتها جماعات المصالح واصحاب المواقف مدفوعة الأجر، للتشكيك في كل شيء وأي شيء بداية من إنكار دور القوات المسلحة في حماية الثورة وشبابها، وحتي مخالفة رؤية هلال رمضان، لا لشيء إلا لأن الجهة التي أعلنت رسميا رؤية الهلال هي جهة حكومية(!) .
عاش المجتمع جدالا بيزنطيا عقيما استنفذ قواه الفكرية وطاقته الابداعية، فخسر ثورته وضل طريقه، بفعل شيوع فلسفة التخوين وسياسة التكفير التي لم يسلم منها أحد من السياسيين بل والثوار أنفسهم.
كان توزيع التهم مجانيا للجميع، وكادت مصر أن تسقط، لولا قواتها المسلحة التى أعادت للبلاد هيبتها وحافظت علي هويتها بعد موجة ثورية جديدة أطاحت بعملاء الخارج من المشهد الساسي.
إنها قصة الأمس واليوم وكل يوم، قصة التربص بهذا البلد، وتدوير نفس المخططات بصور مختلفة لتركيعها.