الأولى و الأخيرة

500 فدان من الحدائق

القناطر الخيرية .. أعظم مشروع هندسى وأشهر منتزهات المصريين في الأعياد

موقع الصفحة الأولى

تقع القناطر الخيرية على بعد 22 كيلو متر من القاهرة، وهي أشهر وأهم متنزهات مصر منذ تم انشائها قبل عدة قرون وحتى الآن، لما لها من شهرة خاصة عند المصريين وما تتمتع به من مناظر خلابة وطبيعة نقية.
هى واحدة من أعظم أعمال الري، وقد استغرق بناؤها حوالى 20 عاما، كما أنها حجر الزاوية فى نظام الري الحديث بمصر، يبلغ طولها حوالى 8400 ميل، وتبلغ مساحتها المائية 100.000 ميل مربع ويرجع السبب الرئيسى لأهمية هذا المكان وشهرته الى موقعها على فرعى دمياط ورشيد عند تفرعهما من المجرى الرئيسى لنهر النيل شمال مدينة القاهرة.


نظام الرى في مصر


كانت أراضي الوجه البحري إلى أوائل القرن التاسع عشر تروي بطريق الحياض كرى الوجه القبلي، فلا يزرع فيها الا الشتوي، ولا يزرع الصيفي الا على شواطئ النيل أو الترع القليلة المشتقة منه، وقد أخذ محمد علي في تغيير هذا النظام تدريجيا، إذ اخذ في شق الترع وتطهيرها واقامة الجسور على شاطئ النيل ليضمن توفير مياه الري في معظم السنة، وصارت الترع تروي الاراضي في غير اوقات الفيضان ولا سيما بعد اقامة القناطر عليها.
وقد توج محمد علي أعمال الري التي أقامتها بإنشاء القناطر الخيرية، وهي وان كانت اخر اعماله في الري إلا أنها أعظمها نفعا وأجلها شانها وابقاها على الدهر اثرا.
وقد فكر فيها بعد ما شاهد بنفسه فوائد القناطر التي أنشاها على الترع، ورأى أن كميات عظيمة من مياه الفيضان تضيع هدرا في البحر، ثم تفتقر الأراضي إلى مياه الري في خلال السنة فلا تجد كفايتها منها، فاعتزم ضبط مياه النيل للانتفاع بها زمن التحاريق ولاحياء الزراعة الصيفية في الدلتا، وذلك بانشاء قناطر كبرى في نقطة انفراج فرعي النيل المعروفة ببطن البقرة.

عهد محمد علي بدراسة هذا المشروع الى جماعة من كبار المهندسين، منهم المسيو لينان دي بلفون الذى عرف باسم لينان باشا كبير مهندسيه، فوضع له تصميما وشرع في العمل وفقا لهذا التصميم سنة 1834، ثم ترك لوقت اخر، وعندما اعتزم محمد علي استئناف العمل استرشد بمهندس فرنسي آخر وهو المسيو موجيل بك اذ اعجبته منه مقدرته الهندسية في انشاء حوض السفن بميناء الاسكندرية، فعهد اليه وضع تصميم اقامة القناطر الخيرية ، فقدم مشروعا يختلف عن تصميم لينان.

فالمسيو لينان كان يرى انشاء القناطر على الارض اليابسة بعيدا عن المجرى الأصلي للفرعين، واختار لذلك قطعتين بين ملتويين من ملتويات فرعي النيل حتى اذا تم انشاؤها حول الفرعين اليها بحفر مجريين جديدين، ولكن مشروع موجيل بك يقتضي اقامة القناطر مباشرة في حوض النهر.
ويتألف المشروع من قنطرتين كبيرتين على فرعي النيل يوصل بينهما برصيف كبير، وشق ترع ثلاثة كبرى تتفرع عن النيل فيما وراء القناطر لتغذية الدلتا، وهي الرياحات الثلاثة المعروفة برياح المنوفية ورياح البحيرة ورياح الشرقية الذي عرف بالتوفيقي لانه انشئ في عهد الخديوي توفيق باشا.


وضع حجر الأساس


ووضع محمد علي، حجر الأساس للقناطر الخيرية في احتفال فخم يوم الجمعة 23 ربيع الثاني سنة 1263، واحتفاء بهذه المناسبة تمت صناعة ميدالية ذهبية مكتوبة باللغة التركية عملت كما جاء فى الوثائق منذ عام 1846 حيث صدر أمر منه الى ديوان خديو فى 7 جمادى الأولى مبلغ (38.960 قرشا) ثمانية وثلاثين ألفا وتسعمائة وستين قرشا وثمانية عشر فضة هو ثمن الميداليات الذهب والفضة التى وضعت تحت أساس القناطر داخل صندوق من الخشب داخل صندوق من الذهب صنع بدقة وإحكام. 
وبدأ لينان بتجهيز 1200 عامل ومهد لهم سبل الإعاشة من عمال مصريين وأجانب، وأنشأ خط سكة حديد لنقل الحجر من طرة حتى نهر النيل. 
ولكن أصيبت الأعمال التى كانت تسير على خير ما يرام بالركود نتيجة انتشار وباء الطاعون الذى فتك بكثير من عمال القناطر وكثير من سكان مصر أيضا في ذلك الوقت. إلا أن لينان بك استمر فى رسم الخرائط لتكملة هذا العمل الذى بلغت تكاليفه 1.880.000 جنيه، ولكن جزء تصدع وانهار وظهر خلل فى بعض عيون القناطر بسبب ضغط المياه. فرأى محمد على أن القناطر أوشكت على أن تتخرب بعدما أنفق عليها أموالا طائلة وحدثته نفسه يوما لتشهيل بنائها، بهدم الأهرامات واستخدام حجارتها لتكملة البناء، بل وأصدر أمرا بذلك الى المهندس لينان بك وصمم على نفاذه. لولا أن هذا المهندس أقنعه بأن ثمن المتر المكعب من الحجر الذى يستخرج من هدم تلك الآثار الفرعونية يكلف عشرة قروش ونصفا، بينما لا يكلف المتر المكعب المستخرج من المحاجر أكثر من ثمانية قروش. 
وفى هذه المرحلة توفى محمد على باشا فى عام 1848 قبل أن يرى المشروع الذى وضع حجر الأساس له.
وعندما آل الحكم إلى عباس حلمي الأول أخذ المهندس الفرنسى موجيل بك يلح عليه بانجاز هذا المشروع الضخم لكى لا تضيع ثمرة الأموال الطائلة التى انفقت عليه، ولكن الخديو عباس أيضا كان يقول وهو يشير إلى الأهرام ، إنى لا أدرى ما الفائدة من وجود تلك الجبال من الصخور المرصوصة فوق بعضها، فاذهب واهدمها واستخدم حجارتها فى اتمام عمل القناطر. 
فخشى المهندس موجيل بك من تنفيذ هذا الأمر حتى لا ينعت على مر العصور بأنه هادم الأهرامات. 
واضطر عباس الى إعادة المهندس لينان للعمل وعرض تقرير تفصيلى بالنفقات اللازمة لاتمام المشروع الذى أقل ما فيه من فائدة الاستغناء عن 25.000 ساقية وشادوف ورى أربعة ملايين من الأفدنة، ويمنع استمرار انصراف مياه فرع دمياط الى فرع رشيد لانخفاض مجرى هذا عن مجرى ذاك. وبالفعل تمت الموافقة واستكمل الانجاز حتى عام 1878. 

القلعة السعيدية

وفى عام 1855 فى عهد الخديو سعيد باشا تم انشاء قلعة حربية بجوار القناطر سميت القلعة السعيدية للدفاع عن البلاد عن طريق البر .. ولكن هذه القلعة احترقت فجأة وكان بها كثير من الرسومات والأوراق التاريخية الخاصة بهذه القناطر، والأثر الوحيد الباقى من أثاث هذه القلعة هو ساعة للمكتب كبيرة محفوظة بمكتب وزير الرى
وفى عهد الخديو اسماعيل  تمت تقوية القناطر الخيرية عام 1888 وظلت التجديدات تتوالى عليها فترة بعد أخرى حتى أصبحت القناطر القديمة وقلعتها معلما هاما من المعالم الأثرية الباقية . 
وظلت القناطر الخيرية تعمل حتى نهاية عام 1939، وبلغت تكاليف انشائها وقتئذ 3.500 مليون جنيه حتى تم انشاء قناطر محمد على "قناطر الدلتا الجديدة" خلف القناطر القديمة التى اصبح استخدامها مقصورا على أغراض المرور باعتبارها من أعظم الآثار الهندسية لمصر الحديثة وصارت بحدائقها أحد أهم المزارات السياحية للمصريين والعرب والأجانب وبخاصة في أوقات الأعياد، حيث تضم القناطر الخيرية أكبر مساحة من الحدائق والمنتزهات والتي تقدر مساحتها بـ 500 فدان على النيل مباشرة.

تم نسخ الرابط