و الأخيرة

رئيس التحرير
محمود الضبع

رحلة عبر الزمان

آيا صوفيا وقصة تحويله من كنيسة إلى مسجد وسر وقف «محمد الفاتح»

موقع الصفحة الأولى

يمثل مسجد آيا صوفيا قلب مدينة إسطنبول العريقة، ويجمع تصميمه بين الحضارات البيزنطية والإسلامية، ويشهد ببنائه الشاهق على رحلة تاريخية طويلة لتحولاته بين الكنيسة والمسجد والمتحف، ثم عودته إلى المسجد حتى الآن.

ويقع آيا صوفيا في القسم الأوروبي من إسطنبول، وتحديدا في منطقة السلطان أحمد الشهيرة، محاطا بمناطق سياحية وأثرية مثل قصر طوبقاي سراي ومسجد السلطان أحمد، ويطل على مضيق القرن الذهبي ومدخل البوسفور.

وبُني آيا صوفيا لأول مرة ككنيسة عام 360م في عهد الإمبراطور قسطنطينيوس، وسميت "ميجالي إجليسيا"، وتعني "الكنيسة الكبيرة"، ومع الاضطرابات التي شهدتها الدولة البيزنطية، تم هدم الكنيسة وإعادة بنائها أكثر من مرة، حتى تمكن الإمبراطور جستنيان الأول من أن يشيد البناء على هيئته الحالية بين عامي 532 و537م

وفي عام 1453، بعد فتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح، تم تحويل الكنيسة إلى مسجد، مع إدخال تغييرات معمارية تناسب طابع العمارة الإسلامية، وسماه العثمانيون "آيا صوفيا كبير جامع شريف"، أي الجامع الكبير الشريف لآيا صوفيا، وفي عام 1935، تم تحويله إلى متحف تاريخي، حتى عاد إلى المسجد وفقا لحكم قضائي عام 2020.

وهناك روايات بأن السلطان الفاتح اشترى كنيسة آيا صوفيا من الروم ودفع الثمن من ماله الخاص، وجعلها وقفا للمسلمين، مع روايات أخرى تقول إن الجيش العثماني وجدها مهجورة، وعندما لم يجد مكانا يؤدي فيه جنوده الصلاة، استفتى العلماء في إمكانية الصلاة فيها، فأصدروا فتوى بجواز تنظيف المبنى وتجهيزه وتحويله إلى مسجد.

آيا صوفيا في شهر رمضان

وكان الأمراء وكبار رجال الدولة العثمانية يجتمعون في مسجد آيا صوفيا لأداء صلاة العصر خلال شهر رمضان، وكثيرا ما كان السلاطين يشاركون في الاحتفال بليلة 27 من رمضان داخل المسجد، بينما كان السلطان عبد الحميد الثاني يأتي إليه منتصف رمضان، بعد الاحتفال المعروف بـ"زيارة البردة الشريفة".

والتصميم الهندسي لمسجد آيا صوفيا من أبرز معالم الهندسة المعمارية القديمة، حيث يضم مبنى المسجد قبة ضخمة يبلغ قطرها 31 مترًا وترتفع 56 مترًا عن الأرض، ومحاطة بـ 40 نافذة تضفي على المبنى إضاءة طبيعية مميزة، كما أضاف السلطان محمد الفاتح مآذن للمسجد من الخارج، بالإضافة إلى لوحات تحمل أسماء الخلفاء الراشدين.

وتعرض آيا صوفيا منذ إنشائه للعديد من المشكلات الهيكلية بسبب الزلازل والعوامل البيئية، وكان للفنان والمعماري العثماني سنان آغا دور هام في تثبيت القبة خلال القرن السادس عشر من خلال إضافة دعامات متينة، كما خضع للعديد من عمليات الترميم في العهد العثماني والجمهوري.

وتحول آيا صوفيا في فبراير 1935 إلى متحف سياحي، وكان الغرض من القرار جعل المبنى مجرد ذاكرة تاريخية، أي لا مسجدا ولا كنيسة، وفي 24 يونيو 2005، رفعت "جمعية خدمة الأوقاف والآثار التاريخية والبيئة"، قضية إلى المحكمة الإدارية العليا التركية، للمطالبة بإلغاء قرار مجلس الوزراء الصادر عام 1934م، بتحويل آيا صوفيا إلى متحف.  

وفي 10 يوليو 2020 قضت المحكمة بعودة آيا صوفيا مسجدا بعد 86 عاما من تحويله إلى متحف، وذلك استنادا إلى ما جاء في سند الوقف الذي تحول بموجبه من كنيسة إلى مسجد، وهو الوقف المسجل باسم السلطان محمد الفاتح، عام 145، وبالفعل أقيمت أول صلاة جمعة فيه في 24 يوليو 2020.

تم نسخ الرابط