و الأخيرة

رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي صفعة دوى طنينها السياسي والإعلامي ليس بالشرق الأوسط، ولكن على المستوى العالمي، قوله إن ترحيل وتهجير الشعب الفلسطيني ظلم لا يمكن أن نشارك فيه، مؤكداً أنه لا يمكن التساهل أو السماح بتهجير الفلسطينيين نظراً لتأثيره على الأمن القومي المصري والعربي، وأن ما يحدث منذ 7 أكتوبر وحتى الآن هو نتيجة لتداعيات عدم التوصل إلى حل القضية الفلسطينية.

السيسي شدد على عدم إمكانية التنازل بأي شكل من الأشكال عن الثوابت المصرية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وعزم مصر على العمل مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للتوصل إلى سلام منشود قائم على حل الدولتين، لوجود حقوق تاريخية لا يمكن تجاوزها والرأي العام المصري والعربي والعالمي يرى أن هناك ظلمًا تاريخياً وقع على الشعب الفلسطيني طوال 70 عاماً. الرئيس السيسي حسم الأمر، وليست هذه المرة الأولى التي يؤكد ويندد فيها السيسي أن تهجير الشعب الفلسطيني من أراضيه خط أحمر لا يمكن تجاوزه.. وإذا كان ترامب يعتقد بأنه باستثناء مصر من المساعدات التي تقدمها واشنطن لعدد من الدول بمثابة رشوة فعليه إدراك أن الشعب المصري وحكامه لا يقبلون الرشاوي فيما يخص مبادئهم والتي تبدأ بالقضية الفلسطينية وأراضيها وكذلك مصر ليست للإيجار، أو تغيير ثوابتها من أجل حفنة من الدولارات.  

كان على ترامب قراءة تاريخ العلاقات المصرية الأمريكية جيداً، ليعلم أن مصر ليست شركة عقارات وسمسرة لبيع الأراضي والوحدات السكنية والمحلات التجارية.. وليدرك ترامب والإبراهيميين ومن على شاكلتهم أن الكبير العظيم يمرض ولا يموت.. يتعثر نتيجة سياسات خاطئة غير مقصودة ومؤامرات شقيقة لكنه لا يعجز.. والخيانة لا تدوم، خاصة عندما تكون من الداخل أو من الأشقاء لأن المياه المصرية كقلبها صافية تكشف الخبيث من الطيب.. هكذا تعلمنا وعرفنا من تاريخنا الممتد لأكثر من 7 ألاف عام.. فلا رعاة البقر، ولا آهل الخيام سيضعفون طيبة، ولن يكسروا أخناتون، وأحفاد أحمس يخرجون من لحظات الضعف قوة لا يغلبها غالب.

عشم أمريكا في الجنة

في كتاب "برج القاهرة.. أول مهمة قومية للمخابرات العامة المصرية" للواء دكتور عادل شاهين، وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية الأسبق، قصة تم سردها عب الكرامة المصرية وعزتها التي لا تباع ولا تشترى.. قصة رشوة المليون دولار، التي سلمها كبير ضباط المخابرات الأمريكية مايلز كوبلن لمستشار الرئيس جمال عبد الناصر حسن التهامي بفندق سميراميس، ليسلمها للرئيس ينفقها كما يشاء نظير التخلي عن دعم حركات التحرر الوطني في الجزائر وإفريقيا.

وكان الرد المصري على وقاحة المخابرات الأمريكية رداً معبراً عن عزة الشعب المصري وكرامته التي لا تشترى ولا تباع. بأموال الأمريكان .. كما وصف وقال الرئيس عبد الناصر.. وفي ذلك السياق اقترح التهامي والمشرف العام على المخابرات العامة المصرية زكريا محي الدين وضابط المخابرات يسري الجزار، الذي أوكل إليه مهم التحفظ على حقيبة المليون إلا 25 دولار (فلقد طلب عبد الناصر من التهامي عد الدولارات فقال له لقد قمت بالعد أمام ضابط المخابرات الأمريكية ووجدتهم ناقصين 25 دولار) بناء برج القاهرة السياحي على ضفاف النيل ليكون علامة تذكر المخابرات الأمريكية وإدارتها بمن هي مصر.. والقصة ذكرها الرئيس والزعيم خالد الذكر خلال افتتاح البرج.

المعونة على الجزمة

وإذا اعتقد سمسار العقارات والمعروف إعلاميا بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن المعونة الأمريكية من الممكن أن تكسر عزيمة الشعب المصري فلنقص عليه قصة تهديد أجداده أو أباءه الحكومة المصرية في عهد الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر، في ستينيات القرن الماضي.. حيث هدد السفير الأمريكي بالقاهرة وزير التموين المصري بإيقاف المعونة البالغ قيمتها 50 مليون جنيه وكانت ميزانية الدولة المصرية حينها مليار و100 مليون جنيه، لعدم رضاء الولايات المتحدة الأمريكية على السياسة المصرية، فرد الزعيم في مؤتمر شعبي أن الإدارة الأمريكية لا تمنحنا المصانع وإنما معونة في صورة مواد تموينية، مثل القمح واللحوم، والدواجن، والشاي والبن، وتقدمها من أجل بسط نفوذها وتأثيرها في منطقة الشرق الأوسط كقوة عظمى ناشئة بعد الحرب العالمية الثانية، ليكون لها مكاناً كبيراً وسط القوى العظمى بريطانيا وفرنسا.. ونحن نقول لها آسفين لن نضيع استقلالنا، والمعونة على الجزمة وإن لم يعجبهم كلامنا فليشربوا من البحرين الأحمر والمتوسط، ونحن سنقلل من تناول اللحمة، والفراخ، والشاي، والقهوة على مدار الأسبوع .. نعم زعيمنا ولتعلم أننا أصلاً لا نتناول اللحمة والفراخ إلا مرة أو مرتين طوال الشهر.. أي أننا مقتصدين بالمعونة أو بغيرها.  

وهم تهجير الشعب الفلسطيني إلى مصر لتفريغ الأرض للصهاينة مشروع ليس بجديد فقد طرح في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك ورفضه، وحاولوا إغرائه بأخذ النقب بدلاً من سيناء لتوطين أهل غزة ورفض.. فهل من المعقول أن يرضى السيسي؟!  

بالعبري.. احذر من الجيش المصري

عجباً لكم أيها الصهاينة.. ألا تدركون أن السيسي من ذات السلالة التي أنجبت عبد الناصر ومبارك. تلك السلالة التي لم تقبل بهزيمة 5 يونيو 1967 ولم تهدأ حتى حرب أكتوبر 1973، وفي انتظار ما بعدها لأنها لم ترتو بعد بحق يونيو.. ألا تدركون أن السيسي أبن الجيش المصري الذي يرضع أن الأرض المصرية عرضه وكرامته، أم أنكم تخيلتم أن رأس الحكمة يمكن تكرارها بسيناء.. الحكمة مشروع اقتصادي مشترك يمكن فضه وفض الشراكة في لحظة.. أما سيناء شيء أخر، وإذا كنا نستضيف أكثر من 10 ملايين لاجئ فهذا لا يعني أننا نقبل بطرد الشعب الفلسطيني من أرضه.  

وإذا كان الجيش المصري صمت على إعادة احتلال محور صلاح الدين، فذلك لإدراكه بمحاولة التحرش وتفادي المواجهة ليس خوفاً أو ضعفاً وإنما حرصاً على الشعب الفلسطيني بقطاع غزة.. وذلك ليس حديثنا نحن، بل حديث الصهاينة فقد قال الإعلامي الإسرائيلي تسيفي يحزقيلي، المعلق في قناة i24NEWS الإخبارية العبرية تعليقا على تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن التهجير لسكان غزة، هذا حدث استراتيجي، وانفجار فكري لجميع صيغ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ عام 1948، وربما تكون هي المرة الأولى التي يقول فيها رئيس هذا الأمر بشكل علني.. ويرى يحزقيلي أن قطاع غزة مشكلة صعبة لأنه لا ينجب إلا كارهين لإسرائيل، وأي كيان ينشأ في قطاع غزة سيطلق النار علينا.. لكن -وفقا ليحزقيلي- عليكم النظر جنوباً، محذراً من الجيش المصري، قائلاً: لقد قال السيسي في أكثر من مناسبة إن الجيش المصري قوي ويمكنه أن يفعل ما فعله في يوم الغفران – حرب 1973 – مرة أخرى، ويمكن أن يحدث ذلك مرة أخرى، عليكم بمراقبة الجيش المصري”.

ترامب.. عليك بمراقبة الشعب المصري وجيشه، وأقرأ تاريخنا قبل مواجهتنا. 

تم نسخ الرابط