الأولى و الأخيرة

موقع الصفحة الأولى

تجلس راضية في حوش مقبرة وضعت في جميع أركانها بعض اواني الزرع وضعت داخلهم نبات الصبار حتي يسبح بحمد الله، كانت تجلس راضية بالساعات تناجي اكبر صبارة وتحاورها ، لتجعل كل من يراها يتخيلها وقد فقدت عقلها بجلبابها الاسود الذي تعلوه علامات الزمن وعدم الاعتناء والاهمال في نفسها ، كانت صبارتها العجوز هي رفيقتها في اوقات بقائها في حوش المقبرة ، ياريتك ياصبارة تديني من اسمك نصيب يمكن انسي اللي عملته في عيالي وضيعهم من ايدي.

راضية سيدة أربعينية متوسطة الجمال غزي الشيب شعرها وغزت الاحداث تجاعيد وجهها فرسمت الدموع آبار وحفر لم يعد لها علاج ، كانت تعيش في احد المناطق الشعبية ، هجرها زوجها وتزوج اخري ، لم تحزن راضية علي فراقه فقد كان حملا ثقيلا فوق كاهلها ، لا يعمل وينتظر منها ان تعود من عملها كعاملة نظافة في احد المدارس لتعطيه علبة سجائره وتضع له طبقاً من الفول والجبن ،كانت تتحمله من اجل صغارها الثلاثة ،رحمة وعلي وسندس ، ثلاثة زهور كانت تعشقهم وتضحي بسعادتها من اجلهم فقط .. تقبلت راضية غياب زوجها ، في البداية تخيلت انه قد فقد عقله او مات في حادث ولم يستدل علي عنوانها ولكنها رأته في احد الايام وهو يشتري بعضاً من الفاكهة من بائع متجول ، ومشت ورائه لتراه يدخل احد البيوت التي تسكنها سيدة تدعي نواعم وتعرف من احد الجيران  ان ربيع زوجها  قد تزوج من السيدة نواعم التي تعمل راقصة في احد الملاهي الليلية ، قررت راضية ان تلتزم الصمت ولا تلومه او تبحث عنه .. واصبح زواجه رحمة من الله ومبارك علي السيدة نواعم زواجهما الميمون.

عاشت راضية لتهتم بأبنائها وتراعيهم لتري فيهم حلماً لطالما حلمت به ، تفوقهم الدراسي كان تتويجاً لتضحياتها وعملها نهاراً عاملة نظافة في المدرسة وليلا تقوم بتنظيف الخضار ،وتقطيعه وتغليفه ثم بيعه للمعلمات في المدرسة باضافة هامش ربح بسيط يساعدها في شراء مايحتاجه الابناء من مصاريف وملابس.

عودة ربيع

وفي احد الايام عاد ربيع ، حاول ان يستعطفها ليعيش بينهم من جديد بعد ان زهدته وخانته نواعم وطردته من بيتها ، ولكن راضية رفضت عودته واهانته بل ودعت عليه دعوة امراة حرقتها الغيرة وغياب السند الذي اوهمت نفسها بهقالت له في حرقة .. روح ربنا يحرق قلبك زي ماوجعت قلبي ،وغاب ربيع ورغم محاولة الابناء تهدئة امهم الا انها رفضت تدخلهم قائلة : اللي مش عاجبه منكم يحصله ،الراجل دا مش هيعتب بيتي تاني ، وصمت الابناء ورضخوا لرغبتها.

لم تكن راضية تدري ان القدر  لن يعطيها جميع ماتتمني ،ففي احد الايام وبينما هي ذاهبة الي العمل نسيت طبق فيه زيت علي نار الموقد لتستيقظ المنطقة الشعبية علي حريق هائل في شقتها  راح ضحيته الثلاثة أبناء.

لتعيش هي بجوارهم تتمني الموت قائلة : ياريتني مت قبلهم ،انا كنت متحملة المر عشانهم دلوقتي هتحمل ليه ..حاولت احرق نفسي كتير ياصبارة بس ولاد الحرام انقذوني واديني لسة عايشة محروقة بس عايشة ، يارب ارحمني وخدني عندهم ، دعيت علي ابوهم ان ربنا يحرق قلبه مااعرفش انه هيحرق قلبي انا ..يارب رحمتك .

ثم تمسك راضية الصبارة وتحتضنها في غفلة دون ان تشعر بالاشواك وهي تطعنها،  وتتساقط  دموعها في حزن شديد بلا هوادة.

تم نسخ الرابط