في لقاء سري بأبو ظبي
الإمارات توافق على خطة نتنياهو للقضاء على المقاومة في غزة.. والقاهرة ترفض
قبل ساعات من ذهاب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي لواشنطن لإلقاء كلمته أمام الكونجرس الأمريكي الأربعاء 24 يوليو 2024، والتي قاطعها 30 عضوا من الحزب الديمقراطي على رأسهم المرشحة المحتملة كامالا هاريس ورئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي وعدد من المشرعين وسط احتجاجات شعبية بمحيط الكونجرس يتقدمها متظاهرين يهود، تنديدا بالإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ورفضا لسياسات نتنياهو ومطالبته بعقد صفقة مع المقاومة الفلسطينية لإنهاء حرب الإبادة وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين. كشفت وسائل إعلام أمريكية وإسرائيلية عن لقاء سري بعاصمة الإمارات أبو ظبي عُقد الخميس الماضي 18 يوليو 2024 لمناقشة ما يعرف بـ " اليوم التالي للحرب في غزة".
ووفقا لموقع "أكسيوس" الأميركي وموقع "والا" الإسرائيلي أن الاجتماع الذي ترأسه وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد حضره من الجانب الأمريكي مستشار الرئيس بايدن في الشرق الأوسط بريت مكجورك ومستشار وزارة الخارجية توم سوليفان.. ومن الجانب الإسرائيلي وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، الذي يعد من المقربين من نتنياهو، وإثنين من كبار الإسرائيليين في وزارة الدفاع ممن كانوا يعملون على صياغة مقترحات إسرائيل لخطط ما بعد الحرب لغزة هما رئيس القسم السياسي - الأمني في وزارة الحرب، درور شالوم، ورئيس القسم الاستراتيجي في هيئة الأركان العامة، العميد بيني غال.
ويأتي ذلك الاجتماع تحقيقا لرغبة ومساعي رئيس حكومة الاحتلال، الذي يعمل من أجل دفع الإمارات لإرسال قوات إلى قطاع غزة، والعمل على استبدال المناهج التعليمية التي تدعو لمقاومة الاحتلال.
وكان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر قد أكد خلال مؤتمر صحفي، يوم الثلاثاء 23 يوليو 2024، بعقد اجتماع ضم ممثلين من الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لبحث الخطط بشأن وقف إطلاق النار وإعادة إعمار القطاع وما يحدث في اليوم التالي بعد انتهاء العملية العسكرية الإسرائيلية ضد حماس.
وأوضح ميلر في المؤتمر الصحفي أن الاجتماع عقد فعلاً، ولكنه لم يكشف عن مزيد من التفاصيل بشأن المفاوضات، مشيرا إلى طابعها "الحساس".
أولاد زايد يلبون النداء بخطة نسيبة
وحسب معلومات موقع "أكسيوس" فإن الإمارات أعدت خطة لإعادة إعمار غزة وتسوية الوضع بعد النزاع.. تنص على إرسال قوات إلى قطاع غزة بطلب من السلطة الفلسطينية لخلق بديل عن حماس والمقاومة في قطاع غزة شريطة أن تقوم السلطة الفلسطينية بحل سياسي بتعيين سلام فياض رئيس الحكومة الفلسطينية السابق بدلا من الرئيس الحالي محمد مصطفى لقربه..
ويرجع ذلك لعدم رضاء أبو ظبي عن رئيس السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، وقد وضح ذلك خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب مع نظيرهم الأمريكي في يونيو الماضي بحضور أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ حيث وصفت السلطة بـ "علي بابا والأربعين حرامي".. ويأتي اختيارها لعودة سلام فياض لإعلانه مواقف معارضة للرئيس عباس والذي يعارضه أيضا وزير داخلية فلسطين السابق والمطرود من منظمة التحرير وحركة فتح وتحتضنه أبو ظبي محمد دحلان.
تلك المعلومات يؤيدها حوار أجرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية يوم 20 يوليو 2024، مع مساعدة وزير الخارجية الإماراتي للشؤون السياسية لانا نسيبة ذات الصول الفلسطينية.. والتي أوضحت خلالها موافقة بلادها على إرسال قوات ضمن بعثة دولية مؤقتة إلى قطاع غزة بعد انتهاء الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس لإدارة الأزمة الإنسانية، وتؤسس النظام والقانون، وتضع الأساس للحكم بدعوة رسمية من السلطة الفلسطينية. وأن تقوم الأخيرة بإصلاحات حقيقية يقودها رئيس وزراء جديد يتمتع بالسلطة والاستقلالية. كما أنه يجب على الحكومة الإسرائيلية السماح للسلطة الفلسطينية بممارسة دورها في إدارة غزة والموافقة على عملية سياسية قائمة على حل الدولتين في إطار مبادرة تقودها واشنطن حتى تنجح المهمة.
وكشف موقع "والا" الإسرائيلي أن الخطة الإمارتية مشابهة تماما لخطة وزير جيش الاحتلال، يوآف جالانت، والذي أعدها قبل أشهر من الاجتماع وعارضها نتنياهو، وقام بتعطيلها إلا أنه قام بعد ذلك بترجمتها للغة الإنجليزية وتقديمها عبر وزير الشؤون الاستراتيجية في الاجتماع السري الثلاثي لمناقشتها.
وذكر موقع أكسيوس نقلا عن مسؤولين إسرائيليين أن نتنياهو أبدى استعداداً أكبر، لدعم خطة جالانت ومناقشتها مع الولايات المتحدة والإمارات.. فيما أوضح موقع "والا" أن نتنياهو رغم إعلانه بأنه غير مستعد لإنهاء الحرب حاليا على قطاع غزة، أو منح السلطة الفلسطينية دوراً في قطاع غزة، واستئناف المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي، إلا أنه بدأ يميل إلى تبني دور إماراتي في قطاع غزة.
القاهرة والفصائل والسلطة موقف واحد
ومنذ اندلاع طوفان الأقصى وحرب الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني بقطاع غزة والإدارة الأمريكية والاحتلال يتحدثان عما يسمى باليوم التالي في قطاع غزة وتم طرح عدة مشاريع لإنهاء وجود المقاومة على المستوى السياسي والإداري لكنها فشلت حتى الآن في تحقيق الطموح الإسرائيلي، في ظل رفض أطراف فلسطينية وعربية خاصة مصر والأردن التعاون معها.
في مارس 2024 أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن تل أبيب أجرت محادثات مع مصر والإمارات العربية المتحدة والأردن لبناء دعم إقليمي لتجنيد بعض القادة الفلسطينيين ورجال الأعمال الذين ليس لهم صلات بحركة حماس في توزيع المساعدات وبعد انتهاء الحرب سيكتسبون السلطة، من خلال دعم القوات التي تمولها الحكومات العربية الغنية، لكن مصر والأردن رفضتا المقترح.
وفي ذات الشهر كشفت القناة الثالثة عشر الإسرائيلية عن لقاء مسؤولين كبار في الجيش الإسرائيلي والشاباك مع مسؤول كبير في حركة فتح لبحث إمكانية مشاركة أعضاء من الحركة في إدارة القطاع فور انتهاء الحرب وعلى المدى الطويل.. لكن المسؤول الذي لم تكشف القناة عن هويته قال "ما دامت حماس تتمتع بالسيطرة العسكرية والمدنية، فإن أيدينا مقيدة. لكننا نمتلك القدرة على تجنيد أشخاص ليكونوا "عمال توصيل" يقومون باستلام المساعدات الإنسانية وتوزيعها بالأماكن التي سيوجههم إليها الجيش الإسرائيلي وإلى الأماكن التي لا تخضع لسيطرة حماس".
كما سعت حكومة الاحتلال لتشكيل حكومة في القطاع من العشائر التي لا تنتمي لحركة حماس حتى تضمن تحقيق أهدافها بالسيطرة على القطاع بشكل كامل، ووجود قوة أخرى بعد انسحابها من القطاع تضمن إجراء انتخابات مع استبعاد حركة حماس من الحكم.
وتدور المباحثات والمحاولات بشأن اليوم التالي لوقف حرب الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني وتوافق دولة الإمارات العربية المشاركة ضمن قوات دولية بالقطاع لإدارته وفق الأجندة الأمريكية الإسرائيلية / وفقا لتصريحات نسيبة /في ظل رفض الفصائل الفلسطينية لفكرة وجود قوات عربية ودولية بقطاع غزة، في إطار ترتيبات ما يسمى باليوم التالي التي يسعى لها الاحتلال لإنهاء المقاومة، وأكدت الفصائل في بيانات منفردة ومجمعة على أن "اليوم التالي" لن يكون إلا في إطار تفاهمات فلسطينية داخلية تحافظ على الحقوق الفلسطينية.. وأن الشعب الفلسطيني هو من يقرر من يحكم قطاع غزة ونرفض وجود أي جهات أجنبية داخله.
ومن جانبها قالت حركة حماس “نرفض أي خطط أو مشاريع أو مقترحات، تسعى لتجاوُز الإرادة الفلسطينية بشأن مستقبل قطاع غزة، ونرفض أي تصريحات ومواقف تدعم خططا لدخول قوات أجنبية للقطاع تحت أي مسمى.. مؤكدة في بيان لها أن إدارة قطاع غزة بعد دحر العدوان الفاشي؛ هي شأن فلسطيني خالص، يتوافق عليه شعبنا الفلسطيني بكافة أطيافه، وهو لن يسمح بأي وصاية، أو بفرض أي حلول أو معادلات خارجية تنتقص من ثوابته المرتكِزة على حقه الخالص في نيل حريّته وتقرير مصيره.
وفي الوقت ذاته رفضت الرئاسة الفلسطينية نشر أي قوات غير فلسطينية في قطاع غزة، قائلة إن «الأولوية» لوقف العدوان الإسرائيلي، وليس الحديث عن اليوم التالي للحرب.. وإن الترتيبات التي تناقشها واشنطن مع أطراف أخرى لن يقبل بها الفلسطينيون.
وأكّد الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، أنه لا شرعية لأي أحد على قطاع غزة أو الضفة الغربية أو القدس، لا للاحتلال ولا غيره، ولا شرعية لأي خطوة على الأرض الفلسطينية لم يقبل بها شعبنا وقيادته.
القاهرة تحذر من تصفية القضية
أما الموقف المصري كان واضحا منذ نوفمبر 2023 برفضها العرض الأمريكي لإدارة قطاع غزة وتواجد قوات من الناتو أو قوات أجنبية داخل القطاع بأي شكل أو تحت أي مسمى.. كما أن القاهرة ترفض الوجود الإسرائيلي في قطاع غزة بأي شكل وتحت أي مسمى.. وتصر على الانسحاب الإسرائيلي من محور صلاح الدين ومعبر رفح بالجانب الفلسطيني. ورفضت القاهرة المقترح الإسرائيلي بنقل معبر رفح ببناء نقل منفذ جديد قرب كرم أبو سالم، كما أنها رفضت فتح المعبر من جانبها في ظل وجود القوات الإسرائيلية بالجانب الفلسطيني حتى لا تمنحها شرعية الوجود وقررت إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر كرم أبو سالم..
وشددت القاهرة على أن عودة العمل بمعبر رفح لن تعود العمل إلا تحت إدارة السلطة الفلسطينية كما كان قبل الحرب الإسرائيلية على غزة، كما أكدت أنها لن تقوم بالتنسيق أو التعاون مع أي قوات عربية أو دولية تتواجد في المعبر الفلسطيني، حيث يعد ذلك مخالفا لكافة الاتفاقات والتفاهمات السابقة.
ويرجع خبراء ومسؤولون مصريون الرفض المصري لإرسال قوات دولية وعربية للقطاع لإدراكها للمساعي الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية، وحذرت القاهرة العواصم العربية من المشاركة في المخطط الأمريكي الإسرائيلي حتى لا تكون الدول العربية شريكا في هذه الجريمة.. مشددةً على أنه لا وجود إلا للسلطة الفلسطينية وهي المسؤولة عن إدارة قطاع غزة. وفي ذلك السياق، تساند القاهرة السلطة الفلسطينية في التصدي لمخططات إسرائيل، وإعادة هيكلة بنائها الداخلي، ودمج باقي فصائل المقاومة وإنهاء الخلافات واتخاذ موقف موحد يصب في مصلحة القضية الفلسطينية.