هل تتذكرون فيلم "شمشون ولبلب".. أو "عنتر ولبلب"
كان عرضه الأول في مارس 1952، وبعد أيام من عرضه تم سحبه من دور العرض لأن الظروف التي تمر بها البلاد عقب حريق القاهرة قبل ثلاثة أشهر من ذات العام لا تسمح بعرض فيلم كوميدي..
ويعاد عرضه في السابع عشر من إبريل ذات العام، كونه فيلم كوميدي وطني فيه إسقاط على القوة الغاشمة (الاحتلال الإنجليزي) متمثل في شمشــــــون الذي يقهره المصريين بذكائهم (وهو ما يجسده النحيف- لبلب وصديقه المعلم عقلة) هكذا تم تفسير الفيلم قبل شهور من قيام ثورة الضباط الأحرار في الثالث والعشرين من ذات العام لتطيح بالحكم الملكي وتطرد الاحتلال فيما بعد.. وأثناء عرض الفيلم أعترض أحد الحاخامات اليهود على إطلاق اسم أحد أنبيـــــــاء بني اسرائيل -وفقا للعقيدة اليهودية- على شخصية مجرمة، ليتم سحب الفيلم مرة أخرى ويتم تغيير أسمه إلى "عنتر ولبلب".
لبلب وشمشون بين الحقيقة والواقع
تدور أحداث الفيلم عن قصة لبديع خيري الذي شاركه السيناريو والحوار ريمون قربة ، في أحد المناطق الشعبية بالقاهرة حول لبلب صاحب مطعم صغير ومتواضع ويعيش قصة حب مع "لوزة" إحدى بنات الشارع ويدخر المهر مع والدها " المعلم رضوان" الذي يمتلك محل إسكافي ، وكانت الحياة هادئة حتى ظهر عنتر والملقب بشمشون برفقة زوجته الراقصة أنيسة ويفتتح كازينو يقدم المأكولات والمشروبات والرقص فهجرت الزبائن مطعم لبلب إلى الكازينو، شمشون يعجب بلوزة ويتقدم لخطبتها فيوافق والدها الماكر ،ليبدأ صراع بين شمشون القوي ولبلب الضعيف ، ويبدأ الصراع بتحطيم شمشون (الذي هدم المعبد في قصته الحقيقية) محل لبلب وتحدي يقضي بأن يصفع لبلب النحيف شمشون سبعة مرات على وجهه في سبعة أيام فإذا فشل ترك الحارة والمطعم وإذا نجح أخذ الكازينو ورحل شمشون من الحارة وانقسمت الحارة إلى فريقين، فيما وقف رضوان مع الرجل القوي وإن تظاهر بالحياد .. وشارك المعلم عقلة صديقه لبلب رحلة التحدي.
وعند تطبيق قصة الفيلم على الواقع الجاري بقطاع غزة والضفة الغربية نكتشف أن القوة الغاشمة للاحتلال الإسرائيلي متمثلة في "شمشون" والشعب الفلسطيني ومقاومته "لبلب" و"المعلم عقلة" هو فصائل المقاومة العربية باليمن وجنوب لبنان والعراق والمعلم رضوان " أمريكا" ولوزة هي فلسطين، ورواد السينما هم العرب.
نعم نجحت المقاومة الفلسطينية وصمود الشعب الفلسطيني في صفع الاحتلال الإسرائيلي سبعة أقلام على وجهه وصل صداها لوجه أمريكا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا في حين يقف العرب موقف المتفرجين.
القلم الأول.. عبور الجدار العازل
في يوم السبت السابع من أكتوبر عام 2023، وفي تمام السادسة صباحا، بينما الدنيا نائمة تفاجئ الاحتلال الإسرائيلي بعبور طائرات شراعية بدائية تبعتها دراجات نارية وسيارات دفع رباعي ومجموعات من التكاتك والتريسكلات الجدار العازل الذي شيده الاحتلال بملايين الدولارات، لفصل القطاع عن باقي الأراضي الفلسطينية لإحكام حصاره، كما قامت المقاومة بتعطيل كاميرات المراقبة لتقتحم المستوطنات وثكنة عسكرية وأخرى تابعة للاستخبارات الإسرائيلية " الموساد" والأمن الداخلي “الشاباك".. وتمكنت المقاومة من أسر 250 من المستوطنين والجنود والمجندات وضباط بالموساد والشاباك، والحصول على ملفات استخباراتية، لتكون صفعة متزلزله بدرجة 6 أو 10 رختر عصفت بقوة الأمن الإسرائيلي وتكنولوجيته.. إلى جانب مقتل نحو 1200 إسرائيلي واحتلال البلدات والمدن والقواعد العسكرية من قبل مقاتلي حماس والمقاومة.
ليسجل لبلب أول صفعة على وجه الكيان المتغطرس ويسحب جنوده من آلياته العسكرية، وضباط من الموساد والشاباك كما تسحب النعاج للذبح في صورة مذلة لما تريد وصفه للكيان وجيشه ومخابراته.
القلم الثاني.. نتن ياهو وجالانت مجرمي حرب
لأول مرة منذ إعلان تأسيس أو قيام الدول الصهيونية في 15 مايو 1948، ورغم كل الجرائم اللاإنسانية التي انتهجتها ضد الشعب الفلسطيني من مجازر واغتيالات لقادة الفصائل المقاومة للاحتلال وتهجير قسري والاستيلاء على ممتلكاتهم ومنحها للمستوطنين النازحين من عدة دول أوروبية وإفريقية وغيرها..
لأول مرة تصدر المحكمة الجنائية الدولية قرار إدانة بجرائم الصهاينة وتصدر مذكرة توقيف ضد رئيس الوزراء نتن ياهو، ووزير الدفاع جالانت، وهو ما يعني أنهما عرضة للإلقاء القبض عليهما في أي دولة موقعة على اتفاق روما الخاص بالمحكمة.. قرار المحكمة يعني أنهما مجرمي حرب.. ومطلوب القبض عليهم، واعتراف دولي بجرائم الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني وممتلكاته وأرضه. ورغم أنه اعتراف دولي متأخر لقرون لكنه جاء (على رأي المثل أن تأتي متأخراً أفضل من ألا تأتي أصلاً) ليضيف نصراً جديدا ومستحقا للشعب الفلسطيني بفضل مقاومته الباسلة.
ويحتفل لبلب والمعلم عقلة بالصفعة الثانية برشق المستوطنات بالصواريخ ونصب كمائن لآلياته العسكرية وجنوده.
الثالث.. الاعتراف بالدولة الفلسطينية
شمشون بدعم من المعلم رضوان يواصل حرب الإبادة ضد الشعب وكل مقومات الحياة في قطاع غزة.. ضاربا عرض الحائط بكل القرارات الدولية خاصة قرار محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن بوقف الحرب في رفح وقطاع غزة والسماح بإدخال المساعدات للشعب المحاصر، وقرار المحكمة الجنائية الدولية، وسط كل ذلك فوجئ شمشون ورضوان وفريقهم بثالث الصفعات باعتراف 147 دولة من أصل 193 دولة عضوا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بدولة فلسطينية مستقلة على حدود يونيو 1967.. بينما تبحث دول أوروبية أخرى اتخاذ خطوة مماثلة. وهي خطوة تاريخية تتيح للفلسطينيين تأسيس دولتهم التي عرقلها المساندة السياسية والعسكرية من الإسكافي رضوان ورفاقه بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا.. وهو إنجاز يضاف للمقاومة وطوفان الأقصى.
ليصيح لبلب وعقلة ولوزة بصوت يصدح في السماء عاش نضال الشعب الفلسطيني ولا يموت حق خلفه مقاومة باسلة استشهادية.
القلم الرابع.. مظاهرات أوروبية الشعبية لنصرة غزة
نجحت المقاومة في استخدام سلاح الإعلام كما تستخدم السلاح والتكتيك العسكري فقد كشفت فيديوهات المقاومة حقيقة المجازر الإسرائيلية وجرائمه التي أخفتها وسائل الإعلام الأوروبية وبعض العربية في بادئ الأمر، مما أجبر الكثير من وسائل الإعلام فيما بعد على نقل الحقيقة وهو ما أجج الغضب والرفض بجامعات وشوارع أوروبا وأمريكا التي انتفضت رافضة لتصرفات الكيان الصهيوني ومؤيدة للشعب الفلسطيني ونصرته رغم مواقف حكوماتها التي سعت لتغيير الحقيقة.. وفي سابقة هي الأولى من نوعها يخرج المواطنين في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية رافضة لسياسات حكوماتها وتطالبها بوقف الدعم للكيان ومساندة فلسطين مطالبة بضرورة حل الدولتين ومحاسبة الكيان على أفعاله.
وفي سابقة أولى - أيضا- تملأ الاعتصامات والاحتجاجات جامعات الولايات المتحدة الأمريكية والأوروبية، والتي كشفت زيف حريتهم التي يتشدق بها بنو العرب، حيث استعانت تلك الحكومات بشرطتها لفض الاعتصامات والمظاهرات بقوة الهراوي والقنابل المسيلة للدموع ورجال الشرطة المعضلين "العضلات ".
لتكون رابع الصفعات على وجه شمشون والإسكافي رضوان ورفاقه الإسكافية في لندن، وباريس، وروما، وبرلين.
القلم الخامس.. عزل إسرائيل دبلوماسياً
كان من أشد الصفعات التي طرأت على وجه شمشون والإسكافي رضوان ورفاقه الإسكافية، حالة التمرد التي اندلعت في دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا وعدد من الدول الأوروبية الرافضة للتصرفات الهمجية المدعومة بقوة الفيتو في المحافل الدولية، وقامت معظم دول أمريكا اللاتينية بقطع العلاقات الدبلوماسية وسحب سفرائها من تل أبيب وطرد السفير الصهيوني من بلادها، وذهبت جنوب إفريقيا مدعومة بنحو 60 دولة إلى محكمة العدل الدولية ثم الجنائية الدولية.. كما قامت دولا أوروبية بسحب سفرائها في سابقة لم تحدث من قبل.
إنها صفعة تصيب بالشلل والتبول غير الإرادي من خلال تصريحات النتن ياهو، ووزرائه المتطرفين بالتطاول على الدول والتعامل بأسلوب غير لائق مع سفراء الدول مما أستفز الدول لنبذ دولتهم دبلوماسياً، والتضامن مع جنوب إفريقيا في المحاكم.
القلم السادس.. فشل خطة التهجير القسري
أما الصفعة الأشد التي تلقفها وجه شمشون وطالت قفاه أيضا ووصل صداها للإسكافي رضوان ورفاقه الإسكافية هي تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه رغم الموت الهابط عليهم من السماء، والمقابر الجماعية حيث كشف المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة العثور على سبع مقابر جماعية بالمستشفيات التي اقتحمتها واحتلتها قوات الاحتلال.. وإحراق خيام النازحين في رفح والتي أدت لقطع رؤوس الأطفال في صورة أظهرت الوجه الحقيقي للمحتل، وكذلك تجويع الشعب بإغلاق المعابر وتدمير الطرق المؤدية للمعابر، بخلاف نسف المدارس والجامعات والمنازل والطرق والبنية التحتية للقطاع مما أدى لفقدان الفلسطينيين لمصادر المياه. وباتت الحياة في غزة موت جراء القصف الجوي بأطنان القنابل والقذف المدفعي للدبابات وكلها أسلحة أمريكية، وألمانية، وبريطانية، وفرنسية.. فضلا عن فشل ميناء بايدن العائم في الصمود أمام أمواج بحر غزة المقاومة للمحتل.. رغم كل ذلك أعلن الشعب الفلسطيني تمسكه بأرضه وعدم فراق ترابه مما تسبب في إفساد مشروع التهجير القسري.
القلم السابع.. الرهائن وخيبة الأمل
على رأي المثل المصري "خيبة الأمل راكبة جمل" هذا هو حال حكومة النتن ياهو، التي وعدت وأكدت أن الذهاب لقطاع مجرد نزهة تستغرق بعض الأيام لاستعادة الرهائن والقضاء على حماس وتفجير الانفاق.. بعد شهور من الحرب تم استعادة قرابة 112 رهينة عن طريق صفقة في نوفمبر 2023 مقابل إطلاق سراح 30 سجين فلسطيني من النساء والأطفال مقابل كل رهينة إسرائيلية وإدخال المساعدات الغذائية والطبية والغاز والسولار مع وقف إطلاق النار. فضلا عن 14 تايلانديا وفلبيني في صفقة جانبية بين المقاومة الممثلة في حماس ومصر وقطر.
ويبقى لدى المقاومة عدد من الأسرى اختلفت الأرقام بشأنهم.. ففي الوقت الذي قدر فيه مكتب نتن ياهو عددهم بـ 129 ووفاة 33 منهم، قدر الجيش الإسرائيلي نقلاً عن أجهزتهم الأمنية العدد بــ 136 ومقتل 32 منهم، في حين قدرت الصحافة الإسرائيلية العدد بنحو 134، والصحافة الأمريكية قالت إن العدد 133 منهم 40 على قيد الحياة.. فيما أوضح الناطق باسم حركة حماس، والذي أصبح أيقونة من أيقونات المقاومة أبو عبيدة أن 70 أسيراً إسرائيليا قتلوا جراء القصف الإسرائيلي ومنهم من قتلهم جنود الجيش الإسرائيلي أثناء الاشتباك مع المقاومة.
والصفعة التي حصل عليها الاحتلال عدم تمكنه من استرداد رهائنه إلا عن طريق التفاوض بعقد صفقة بوساطة مصرية قطرية وليس بسلاحه الذي قتل الرهائن، مما دفع أهالي وعائلات الأسرى للتظاهر والمبيت بالشوارع طلبا بوقف حرب الإبادة الجماعية وإعادة أبنائهم أحياءً قبل أن يقتلهم أبناء جلدتهم.
في فيلم "شمشون ولبلب" كان الاتفاق على سبع صفعات في سبعة أيام وهذا ما نجح فيه لبلب ورفيقه عقلة، لكن في حالة المقاومة الفلسطينية لازالت الصفعات مستمرة، مؤخرا قامت المقاومة بعملية في منطقة جباليا شمال قطاع غزة أسفرت عن تدمير آليات وقتل وإصابة عدد من الصهاينة وأسر عدد أخر، لتسجل المقاومة صفعة أسر جديدة.
صفعات عقلة لا تتوقف
ولا ننسى أن المعلم عقلة كما قلنا في البداية هو يمثل دور المقاومة العربية باليمن والعراق ولبنان قد وجه هو الأخر صفعات مدوية ليس على وجه الكيان الصهيوني، ولكن للمعلم الإسكافي رضوان ورفاقه الإسكافية.. إذ عطلت الضربات اليمنية حركة سفنهم في بحار الأحمر والعربي والمتوسط والمحيط الهندي مما أدى لعدم وصول المواد الغذائية والبترولية وكافة احتياجات الحياة لموانئ الكيان.
وكذلك ضربات المقاومة الإسلامية في العراق لأهداف استراتيجية للكيان طالت ميناء أم الرشراش "إيلات" وحيفا ومناطق لا تعد بالأراضي المحتلة.. أما حزب الله فقد أدى استهداف نيرانه للمستوطنات القابعة شمال فلسين إلى هجرة أكثر من 250 ألف مستوطن والإقامة كلاجئين في فنادق تل أبيب والقدس ومناطق أخرى، وقد وصل بهم الأمر لبناء خيام في الشوارع مطالبين بوقف الحرب وإبرام صفقة مع المقاومة الفلسطينية للعودة لمنازلهم.
ويسعى الإسكافية في محاولات فاشلة لوقف عقلة إما بإرسال رسائل تطالب بعدم التصعيد، وتارة بالإغارة على مواقع عقلة لإجباره على التوقف لكن عقلة مستمر في الصفع.
المشاهد العربي ينتظر النهاية
ورغم كل هذه الأحداث لازال العرب يشاهدون الفيلم وكأنهم ليسوا من هنا.. جنوب إفريقيا ذهبت لمحكمة العدل الدولية والجنائية الدولية، 147 دولة اعترفت بالدولة الفلسطينية، دول أمريكا اللاتينية وبعض دول أوروبا قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان.. مظاهرات واعتصامات في الجامعات وشوارع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا الجنوبية.. وهما متفرجين يشاهدون وينددون ويشجبون في انتظار النهاية.
