صاحب تفسير الوسيط
رحلة الإمام محمد سيد طنطاوي من «طما» إلى بقيع المدينة المنورة

ختم الإمام محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق سيرته ومسيرته الدعوية والفكرية ملبيا نداء الحق فى 10 مارس 2010، إثر أزمة قلبية خلال زيارته للمملكة السعودية، ليرقد فى البقيع بالمدينة المنورة إلى جوار الصحابة والتابعين بعد رحلة امتدت 81 عاما فى خدمة العلم والعلماء.
وشغل الشيخ محمد سيد طنطاوي منصب شيخ الأزهر، منذ عام 1996خلفا للإمام الأسبق جاد الحق على جاد الحق، بموجب مرسوم رئاسي بعدما كان مفتيا للديار المصرية منذ 1986.
مثل الشيخ محمد سيد طنطاوي الجناح المعتدل ما جعله هدفا للهجوم من الاسلاميين المتشددين، لاسيما وأن فتاويه أجازت التحاق الفتيات بالكليات العسكرية والجيش، حيث رأى طنطاوي أن المرأة تصلح أن تكون رئيسة للجمهورية وتتمتع بالولاية العامة التي تؤهلها لشغل المنصب.
وشهدت إمامة طنطاوي لمؤسسة الأزهر العريقة عددا من المواقف التي اثارت جدلا واسعا، وأثارت آراؤه المعتدلة حفيظة المتشددين، مثل قراره بحظر ارتداء النقاب داخل قاعات الدراسة، وهي القضية التى اعتبرت فصل من فصول الصراع بين الاسلام المعتدل الذي تناصره الدولة وبين الجماعات السلفية وفرق الإسلام السياسي .
وتفجرت هذه القضية عندما زار الإمام محمد سيد طنطاوي معهدا أزهريا للبنات في القاهرة وطلب من إحدى الطالبات التى تبلغ من العمر 13 عاما بأن تخلع نقابها، موضحا أن النقاب مجرد عادة ولا علاقة له بالدين الاسلامي من قريب أو بعيد، ووقتها ثارت ثائرة المتشددين .
لم تترك جماعات الإسلام السياسي ومن خلفها الدعوة السلفية فتوي للشيخ محمد سيد طنطاوي إلا وهاجمتها ومنها؛ تأييده لنقل الاعضاء البشرية واستنكاره لعادة ختان الاناث، وفتواه بجواز فوائد البنوك التجارية.
وكان قمة الهجوم على شيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوي في عام 2000، عندما افتى طنطاوي بأنه لا يوجد في الشريعة الاسلامية ما يمنع المرأة من الحصول على الطلاق بإرادتها وتم إثر ذلك إقرار القانون المعروف باسم «قانون الخلع».
بنو إسرائيل في القرآن والسنة
ولد الشيخ محمد سيد طنطاوي في 28 من أكتوبر 1928 في قرية سليم الشرقية التابعة لمركز طما بمحافظة سوهاج، ومنذ مولد وَهَبَه والده لطلب العلم؛ فعَمِلَ على تحفيظه القرآن الكريم، ليلتحقَ بعدها بمعهد الإسكندرية الأزهري فاجتاز منه الثانوية الأزهرية، ثم التحق بكلية أصول الدين، فتخرَّج فيها عام 1958، ثم حصل على تخصص التدريس سنة 1959م، ثم حصل على الدكتوراة في التفسير والحديث بتقدير ممتاز سنة 1966، وكان موضوعها: «بنو إسرائيل في القرآن والسنة»، وهي الأطروحة التى جعلته مثار انتقاد الصهيونية العالمية ومحط هجومها طوال الوقت.
بدأ الشيخ حياته الوظيفية إمامًا وخطيبًا ومدرسًا بوزارة الأوقاف في عام 1960، وفي سنة 1968 عُيِّن مدرسًا للتفسير والحديث بكلية أصول الدين، وأُعيرَ إلى الجامعة الإسلامية بليبيا والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. تم تعيين مفتيًا للديار المصرية في أكتوبر سنة 1986، وظلَّ في منصب الإفتاء قرابة عشر سنوات.
وفي 27 مارس عام 1996 صدر القرار الجمهوري بتولي الشيخ محمد سيد طنطاوي مشيخة الأزهر، خَلَفًا للإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق.
عَمِلَ منذ اليوم الأول على تطوير الأزهر والنهوض به، واهتم اهتمامًا بالغًا بإنشاء المعاهد الأزهرية؛ لتزيد في عهده إلى أضعاف ما كانت عليه قبلها، فضلا عن تطوير التعليم الأزهري .
وخلال حياته الوظيفية والعلمية صنف الشيخ طنطاوي التصانيف العلمية الهائلة، يأتي في مقدمتها تفسيره الوسيط الذي كتبَه الشيخ في حوالي خمسة عشر مجلدًا، وقد امتاز بسهولة العرض وسلاسة الأسلوب.