و الأخيرة

رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

كنت عدتُ لتوي من الصين (نهاية شهر يوليو الماضي) بعد المشاركة في "مهرجان الشعر الدولي" المنعقد على هامش لقاء دول البريكس ،حتى فاجأني مرض أمي ومعاودة إصابتها بانسداد الشرايين بسبب قصور حاد في الدورة الدموية الذي عانت منه  منذ أكثر من ستة أعوام وأُجرِيت لها أكثر من جراحة في القدم اليمنى، وظل مرضها هو أكثر ما يؤرقني لسنوات و لأجله ظللت ألفّ وأدور بحثًا عن طبيب للأوعية الدموية يكون ذا خبرة ليتابع حالتها ولكي لا يتوقف استمرار تدفق الدم في شرايين القدم، فيضطر الأطباء لحلول قاسية تفقدها وجود القدم نفسها .

القصر العيني أعرق مدرسة طب فى الشرق الأوسط

لكن حين وصلت الأمور بنا إلى طريق مسدود ولم يكن هناك من بد من إجراء جراحة دقيقة،فذهبتُ بها إلى مستشفيات خاصة عديدة لكنني لم أقدر على مواصلة تحمل تكاليفها الباهظة وظللتُ مترددة  في الذهاب بها إلى مستشفى القصر العيني، رغم تقديري لمكانتها الكبيرة ،فهي أعرق مدرسة في الطب في  الشرق  الأوسط  التي تخرج منها أطباء عظماء من أمثال مجدي يعقوب ومحمد أبو الغار،لكن بسبب كثرة أعداد المرضى في مصر وضعف الإمكانيات، هذا على الرغم مما تقدمه الدولة من مساعدة،  كنت في الحقيقة أتراجع حتى هاتفت الدكتور  حسين خيري أستاذ الأوعية الدموية بـ القصر العيني، والذي  شغل من قبل نقيبًا عامًا للأطباء في مصر ورئيسًا لقسم للأوعية الدموية بـ القصر العيني سمعت عن الدكتور حسين خيري كثيرا قبل أن التقيه فهو معلم الأجيال الذي تربتْ على يديه أجيال متوالية من الأطباء ، الكثير ممن أعرفهم كان يطلقون عليه "راهب القصر العيني" لم أفهم في البداية هذا الوصف الذي أطلقوه عليه حتى علمتُ أن الدكتور حسين أوقف حياته كلها على خدمة المرضى الفقراء الذين يلجأون إلى القصر العيني حين تنسد في وجوههم كل الأبواب ويصعب عليهم تحمل نفقات المستشفيات الخاصة التي صار أكثرها استثمارية في تعاملاتها و قد رفض  الدكتور حسين أن يكون له عيادة خاصة مثل بقية زملائه  الذين تخرجوا  من القسم نفسه وحين صار نقيبًا عامًا للأطباء كان همه الأكبر هو تحسين  وضع الأطباء ماديًا وإنسانيا وتوفير المناخ الملائم كي يقوموا بعملهم على أنسب وجه ،وظل مدافعًا قويًا عن حقوق الأطباء في مصر.

والحقيقة أنني حين ذهبتُ إلى الدكتور (حسين خيري) في عيادته بـ القصر العيني صباح يوم الأحد قبل الماضي ، وكنت قد وصلتُ قبل موعدي معه بربع ساعة، فبحثت عنه حتى وجدته في غرفة مجاورة لحجرة الكشف، الحجرة كانت عبارة عن قاعة للدرس،رأيتُه من مسافة يجلس  بين طلابه يعلمهم بتواضع العلماء كل من تعلمه من خبرات في الجراحة ولا يضن بعلمه ولا بوقته على أي أحد حتى بعد وقت المحاضرة.

الطب رسالة 

فقلت في نفسي الطب رسالة إنسانية سامية قبل أن يكون مهنة ولو كنت ممن درسوا الطب في مدرسة القصر العيني العريقة لتمنيت أن يدرّس لي هذا الأستاذ العظيم حين لمحني الدكتور حسين من بعيد، أشار لي مبتسما وبود اعتدته منه في كل لقاء معه،  واستدعى أحدا من تلامذته من الأطباء ذوي الخبرة لكي يفحص حالة أمي حتى ينتهي  هو من تدريس الطلاب وبعدها جاءني في موعدي معه بالضبط و قام بفحص أمي التي استدعت حالتها إجراء جراحة  عاجلة ،الحق يقال تخوفت كثيرا  فوضع أمي الصحي غير مطمئن خاصة  مع عمرها الذي تجاوز السبعين ، لكن الدكتور حسين خيري طمأنني على مهارة الأطباء بالقصر ، خاصة أن رئيس القسم الحالي الدكتور هشام مصطفى حريص على أن يظل القسم محتفظًا بمكانته العريقة التي عُرف بها.وازددت اطمئنانًا أكثر حين رأيتُ كتيبة أطباء رائعين حقا يمرون علينا،  منهم استشاريون كبار لم يبخلوا بما تعلموه من أساتذتهم الكبار في مجال الجراحة، إلى جانب بعض الأطباء النابهين الشباب الذين يصلون العمل الليل بالنهارو لايكادون يناولون قسطا من الراحة،جاءوا جميعا لفحص حالة أمي-ضمن مرضى آخرين -  قبل إجراء الجراحة المطلوبة، أتذكر منهم - بكثير من الامتنان والتقدير- الدكاترة: عمرو عبد الرحيم، محمد رفيق ،محمود هشام ، على البرعي،، إسلام عماد، أحمد جعفر،شريف عادل،كيرلوس محفوظ، سلمى عاطف علي، ستيفن عماد ،أحمد أمين هذا إلى جانب المعاملة الطيبة التي لقيتها أمي من كل العاملين بالقسم  سواء كانوا إدريين أو من قسم التمريض خرجت أمي بعد الجراحة الناجحة لتسكمل بقية رحلة العلاج في البيت تحت إشراف طبي لمتابعة حالتها.

تم نسخ الرابط