صدرت رواية " أولاد حارتنا " لنجيب محفوظ مسلسلة في صحيفة الأهرام في الفترة من بداية سبتمبر 1959 حتى 25 ديسمبر من نفس العام بعد فترة توقف عن الكتابة دامت سنوات من أواخر عام 1951 حين نشر رواية "بداية ونهاية" حتى عام 1959 حين نشر رواية " أولاد حارتنا "، ورغم أنه نشر الثلاثية بدء من أبريل عام 1954 لكن الثلاثية كان قد انتهى من كتابتها فيالنصف الثاني من الاربعينيات. وما أن صدرت رواية " أولاد حارتنا " حتى أثارت عاصفة ضدها، ولذلك اكتفى محفوظ بهذا الإصدار الذى تم مسلسلا فى الأهرام ولم تصدر في كتاب إلا في عام 1967 حين أصدرتها مكتبة دار الآداب في بيروت.
لماذا هاجم المترجم الأول المترجم الثاني وترجمته
وترجمت الرواية إلى الإنجليزية لأول مرة في عام 1962 فى القاهرة بعد أقل من عامين ونصف من نشرها فى الأهرام كما يذكر الأكاديمي والمترجم البريطاني فيليب ستيوارت [ولد عام عام 1939 وتفى عام 2022] فى مقالة نشرها عام 2017 ، وفيها أكد ستيوارت أن محفوظ نفسه كان يساعده أثناء الترجمة بالاجابة على بعض الاسئلة المتصلة بالرواية. وهذه هى المفاجأة الأولى أن نجيب محفوظ يكاد يكون أشترك فى هذه الترجمة أو شارك فيها ولو بالرأى على حسب رواية ستيوارت هذه وهى رواية ليس لها مصدر أخر إلا هذه المترجم العالم، فلم يعرف لا قبل ذلك ولا بعده أن نجيب أشرف على تابع ترجمة أحد أعماله. وكانت هذه هى المفاجأة الأولى بالنسبة للقارىء العربى والقارىء الأجنبى أيضا، وكانت المفاجأة الثانية أن هذه الترجمة بقيت حبيسة الأدراج لمدة قاربت العشرين عاما حتى نشرها فى عام 1981 عن دار نشر هاينمان Heinemann بعنوان “Children of Gebelawi” ولكن الجدل الذى حدث حول حقوق النشر بعد شهرة مؤلفها بعد الفوز بجائزة نوبل عام 1988، ورفض المترجم تجديدها، وذلك بعد ما حدث لمترجم سلمان رشدى فى اليابان.
وكانت المفاجأة الثالثة وهى أمر متوقع أن الرواية كانت أول ما ذُكِرَ من أعمال نجيب محفوظ الخمسة فى حيثيات منحه جائزة نوبل وقالت عنها بأنها: روية فذة وبديعة. والمفاجأة الرابعة كانت أن هذه الترجمة لم تستمر طويلا الوحيدة فى الإنجليزية فقد كلفت الجامعة الأمريكية بالقاهرة مترجما أخرا لترجمة رواية "أولاد حارتنا" وفعلا أنجز الترجمة ونشرها عام 1996 ، وهو المترجم الأمريكى بيتر ثِرو الذى ولد عام 1955 ، وحملت الترجمة عنوان Children of the Alley، والمفاجأة الخامسة أن ترجمة فيليب ستيوارت اعتمدت على النسخة التى نشرتها الأهرام وترجمة بيتر ثِرو اعتمدت على طبعة بيروت عام 1967 ويقال أن الإصدارين العربيين للرواية [الاهرام والآداب] بينهما اختلاف، ولم اتوصل إلى نسخة الأهرام لأقرها. والسادسة أن ترجمة بيتر ثِرو أنها أعتمدت على ترجمة فيليب ستيوارت أعتمادا كبيرا حتى لكأنها إعادة ترجمة Retranslation أو صياغة لنص ستيوارت ، وفي بساطة معروف أن مصطلع retranslation فى دراسات الترجمة يشير إلى ترجمة أى نص مصدر معتمدا أو مستفيدا من ترجمة مترجم أخر سبقه بترجمة النص إلى نفس اللغة الهدف. واختصارا اعتمدت ترجمة ثِرو على ترجمة ستيورات التى سبقتها إلى اللغة الانجليزية وهذا الذى جعل المترجم الأول ستيورات وهو أكاديمى بارز يدرس فى جامعة أكسفورد للخروج عن صمته بعد سنوات ويهاجم الترجمة الثانية ويتهم صاحبها بالسطو ، حتى أنه أعاد نفس الأخطاء التى فى طبعته. علما بأن المترجم الثانى بيتر ثرو قدم الشكر لنجيب محفوظ وللناقد الإسرائيلى ساسون سموميخ مما يدل على صلته بالإسرائيليين .
وأخيرا يبقى الأمل فى باحث جاد يعثر على النسحة التى أرسلها محفوظ لصحيفة للأهرام أو النسخة التى احتفظ بها محفوظ لنفسه أو حتى المسودة الأولى للرواية لمعرفة ما حدث من حذف وقص من حسنين هيكل للرواية حين نشرها فى الأهرام.