صاحبة العصمة
السيدة أم كلثوم .. رمز الوجدان العربي الخالدة
الإسم: فاطمة إبراهيم السيد البلتاجي
تاريخ الميلاد: 31 ديسمبر 1898
المؤهل: حفظ القرآن الكريم
الوظيفة: مطربة الوطن العربي
في مثل هذا اليوم 3 فبراير من عام 1975، توفيت كوكب الشرق السيدة أم كلثوم عن عمر يناهز 76 عاما، قضت معظمها ملكة متوجة في قلوب المصريين والعرب، من عشاق الفن والطرب.
عرفت فاطمة بنت الشيخ إبراهيم السيد البلتاجي بكنيتها المشهورة أُم كَلثوم، وكان لها عدة ألقاب منها: ثومة، الجامعة العربية، الست، سيدة الغناء العربي، شمس الأصيل، صاحبة العصمة، كوكب الشرق، قيثارة الشرق، فنانة الشعب.
كانت أول مطربة في العالم تحمل جواز سفر دبلوماسي، بقرار من الرئيس جمال عبدالناصر، تقديرا لدورها في المجهود الحربي ودعم القوات المسلحة
الشيخ إبراهيم مؤذن المسجد
ولدت فاطمة لأسرة متواضعة في قرية طماي الزهايرة، في مركز السنبلاوين محافظة الدقهلية، كان والدها الشيخ إبراهيم إماماً ومؤذناً لمسجد في القرية، ووالدتها فاطمة المليجي تعمل كربة منزل.
عاشت العائلة في مسكن صغير من الطين وكان الدخل المادي للأسرة منخفض، حيث إن المصدر الرئيس للدخل هو والدها الذي يعمل مؤذن وكمُنشد في حفلات الزواج للقرية، ومع ذلك لم يكن مجموع دخله من عمله الاصلي كمؤذن وعمله الاضافي كمنشد يتجاوز العشرين قرشا.
ورغم الحالة المادية الصعبة إلا انها تعلمت بكتاب القرية، بعد إلحاح منها لكي تتعلم مثل أخيها، وبعد عدة أشهر استيقظت على صوت والدها وهو يهمس لوالدتها بعد صلاة الفجر بأنه لا يستطيع دفع مصاريف تعليم ام كلثوم، ولا يملك الا قرشًا واحد لاخيها، لكن والدتها ألحت عليه ان يدبر القرش الآخر كي لا ينكسر قلب الفتاة الصغيرة، كان والداها لا يكشفان عن هذا الضيق والفقر إلا بالهمسات بعد صلاة الفجر عندما يكون الطفلان نائمان، كي لا يشعراهما بالفقر والحاجة، هذه الحادثة أثرت بأم كلثوم التي أدركت في وقت مبكر واقع حياتها لكن لم تكن تعرف حينها كيف تساعد والداها الا بأن تدعو لهما.
بعد ان توفي الشيخ عبد العزيز معلم كتّاب القرية اضطرت للانتقال لكتّاب آخر، فكانت تسير كل يوم ثلاث كيلومترات برفقة اخيها خالد وابن زوج اختها وفتى من قرية مجاورة للوصول إلى الكتاب، تعلمت تلاوة القرآن من الكتّاب ومن والدها، و حفظته عن ظهر قلب.
أول أجر طبق مهلبية
ذات مرة سمعت أباها يُعلم أخيها خالد القصائد والتواشيح ليساعده في عمله الإضافي، ومع التكرار حفظت ما سمعته وبدأت تقليد والدها دون قصد وهي تلعب مع دميتها، وعندما سمع والدها ما تعلمته انبهر من قوة نبرتها، فطلب منها أن تنضم معه لدروس الغناء مقابل طبق حلوى المهلبية، وكان أول حفل فيه خمسة عشر شخصا فقط، فغنت وصفق لها الجمهور وأخذت طبق المهلبية كأول أجر لها.
هكذا كان الحال طيلة الحفلات اللاحقة وأصبح والدها يدربها مع أخيها خالد إلى أن أُشتهروا في القرى المجاورة، وتمكنت لأول مرة من أن تساعد والدتها ماديًا، ففي أحد الحفلات اعطاها أحد الاشخاص قطعة فضية من فئة العشرة قروش بعد أن أعجب بصوتها، فخبأتها في منديلها إلى أن عادت للمنزل فأعطتها والدتها. لاحقا ارتفع أجر حفلتهم الواحدة إلى ربع جنيه، ثم جنيه واحد، فجنيه ونصف! وأصبحوا قادرين على الذهاب للقرى المجاورة ركوبا القطار في الدرجة الثالثة.
اللقاء الأول مع الشيخ أبو العلا
سمعت أم كلثوم لأول مرة صوت الشيخ أبو العلا محمد وهي صغيرة في الفونوغراف، وهزها صوته لدرجة سماع اشعاره مئات المرات، لم تكن تتصور ان هذا الشخص يعيش في نفس زمانها إذ ظنت أنه متوفي
ومرت السنين، كانت أم كلثوم مع والدها في محطة القطار تحديدا بعد عام 1916 حين سمعت صوتا يقول: "الشيخ أبو العلا هنا" لم تصدق نفسها والحت عليه أن يأتي لزيارة قريتها، تعرف والدها على الشيخين أبو العلا محمد وزكريا أحمد اللذين أتيا فعلا إلى السنبلاوين لإحياء ليالي رمضان واستقبلت العائلة أبو العلا في منزلها ثم بدأ الغناء وغنت معه أم كلثوم وبعد سماعه لصوتها اقترح على والدها الانتقال بها إلى القاهرة، رد والدها مندهشا بأنه لا يعرف أحدًا في القاهرة وحاول تغيير موضوع الحديث لكن بعد الكثير من إلحاح أم كلثوم عليه وافق.
عادت إلى القاهرة لكي تستقر نهائياً في عام 1921 وكانت تغني في مسرح البوسفور في ميدان رمسيس بدون فرقة موسيقية.
غنت على مسرح حديقة الأزيكية وسمع صوتها عدد من فنانوا عصرها مثل الشيخ علي القصبجي، وفي عام 1923 غنت في حفل حضرته كبار مطربات عصرها وعلى رأسهم منيرة المهدية شخصياً والتي كانت تلقب بسلطانة الطرب، والتقت في نفس العام بالموسيقار محمد عبد الوهاب لأول مرة بحفلة أقيمت في منزل والد أبي بكر خيرت.
كان شائعًا في أوائل القرن العشرين أن يقدم المطربون قصائد بعينها بصرف النظر عن تفرد أحدهم بها، وكانت المباراة بين المطربين تكمن في كيفية أداء نفس القصيدة، لكن وفي عام 1924 تعرفت أم كلثوم على طبيب أسنان يهوى الموسيقى هو أحمد صبري النجريدي أول ملحن يلحن لأم كلثوم ألحانا خاصة بها وغنت من ألحانه 14 أغنية، إلا أن ألحانه اعتمدت على الزخارف الموسيقية بشكل مبالغ فيه مما دفع أم كلثوم إلى إنهاء التعاون معه مبكرًا
وحقك أنت المنى والطلب
اشتهرت بقصيدة «وحقك أنت المنى والطلب» من تلحين أبو العلا محمد وتعد هذه أول إسطوانة لها، صدرت عام 1924 وبيع منها ثمانية عشر ألف إسطوانة.
وفي عام 1924 قدم الشيخ أبو العلا أم كلثوم إلى الشاعر أحمد رامي في إحدى الحفلات التي أدت أم كلثوم فيها أغنية «الصب تفضحه عيونه» تأليف احمد رامي الذي أدرك أنه قد وجد هدفه فتولى تعليمها أصول اللغة والشعر، وتحسَّن مستواها وأضافت مهارات جديدة إلى مهاراتها الغنائية.
وفي عام 1924 غنت أم كلثوم طقطوقة «قال إيه حلف ما يكلمنيش» من الحان محمد القصبجي وكانت البداية الحقيقية لها عندما سمعها محمد القصبجي الملحن المجدد وقتها، وقام القصبحي بتدريبها بعد ذلك كما تولى تعليمها المقامات الموسيقية ولاحقا العود وبدأ يلحن لها أغنيات خاصة بها.
كون محمد القصبجي عام 1926 لأم كلثوم فرقتها الموسيقية الخاصة، وأول تخت موسيقي يكون بديلا لبطانة المعممين التي كانت معها دائما، بعدما شنت روز اليوسف هجوما صاعقا على بطانتها، لعل هذا ما جعل أباها يتخلى عن دوره كمنشد وينسحب هو واخوها الشيخ خالد. بعد ذلك بعام تقريبا خلعت أم كلثوم العقال والعباءة وظهرت في زي الآنسات المصريات، وذلك بعد أن توفي الشيخ أبو العلا محمد الذي ترك فيها تأثيرا روحيا عظيما وكان مرشدها في عالم الطرب.
أعلي مبيعات علي الساحة
في عام 1928 تغني للقصبجي مونولوج «إن كنت أسامح وأنسى الآسية»، لتحقق الأسطوانة أعلى مبيعات وقتها على الاطلاق ويدوي اسم أم كلثوم بقوة في الساحة الغنائية، وبدأت تنافس أكبر مطربتين ذلك العصر وهما سلطانة الطرب منيرة المهدية، ومطربة القطرين فتحية أحمد.
بدأت مع الفرقة الحديثة تقديم حفلاتها في الدور الكبرى، ودخلت في منافسة جديدة في نفس العام مع محمد عبد الوهاب.
لحّنت ايضا في عام 1928 أغنية «على عيني الهجر» بنفسها لنفسها، تعلمت أم كلثوم من أمين المهدي أصول الموسيقى، وتعلمت عزف العود على يد أمين المهدي ومحمود رحمي ومحمد القصبجي.
عام 1935 غنّت أم كلثوم (على بلد المحبوب وديني) من ألحان ملحن شاب رياض السنباطي، وقد ظلّ السنباطي يلحن لأم كلثوم ما يقرب من 40 عاما، ويكاد يكون هو ملحنها الوحيد في فترة الخمسينيات، بعدها بعام لحنت أغنية (يا رتني كنت النسيم) في ثاني وآخر تجربة لها.
في عام 1943 أسست أول نقابة للموسيقيين برئاستها وظلت بمنصبها مدة عشر سنوات، وأصبحت أهم مطربة عربية عرفها التاريخ..
في يوم الأثنين 3 فبراير 1975عند الرابعة مساءاً توفيت أم كلثوم في القاهرة بسبب قصور القلب عن عمر يناهز 76 عاماً، وشيعت جنازتها من مسجد عمر مكرم، وكانت جنازة مهيبة شارك بها الالاف.
كتبت صحيفة الأورو الفرنسية أنها مثّلت للعرب ما مثّلته إديث بياف للفرنسيين إلا أن عدد معجبيها أضعاف عدد معجبي إديث بياف، بينما وصفتها صحيفة التايمز أنها من رموز الوجدان العربي الخالدة.