بين أمل دنقل وناجي العلي، يمتد خط المقاومة من "لا تصالح" إلى "حنظلة"، فالخط واحد، لأن الشعب واحد والعدو أيضا واحد.
فالأول، أمل دنقل، ينتمي إلى الصعيد، قلب مصر النابض، والمولود في قرية القلعة بمركز قفط في محافظة قنا، ليحمل كل تقاليد الصعيد وأخلاقه، من مقاومة الظلم، إلى رفض الهزيمة والانكسار، ومن عدم التفريط في الأرض واعتبارها مثل العرض والشرف، إلى حب الموت دفاعا عن الأهل والأرض والكرامة.
وهي نفس الأخلاق التي تربى عليها الثاني، ناجي العلي، المولود في قرية الشجرة بين طبريا والناصرة شمال فلسطين المحتلة، وبعد قيام الكيان الإسرائيلي، ثم رحل مع أسرته إلى جنوب لبنان، ليعيش في مخيم عين الحلوة للاجئين، ليشهد في طفولته كيف سرقت أرضه وكيف سالت دماء شعبه دفاعا عنها، وكيف كان عليه أن يقاوم دفاعا عنها وعن عرضه وشرفه وكرامته.
الأول اسمه أمل، لنتعلم منه الأمل وحب الحياة والتمسك بها وعدم التفريط في حقوقنا لأي عدو، مهما كانت قوته أو مهما كانت خسائرنا أمامه، والثاني اسمه ناجي، لنتعلم منه أن النجاة في المقاومة، والموت الحقيقي في الاستسلام والتسليم بشروط العدو، أي عدو، كما أن العلي هو من يقاوم ولا يركع أمام عدوه.
الأول قاوم بالكلمة، فألهمت قصائده ملايين الشباب من المحيط إلى الخليج، وكانت أيقونته الخالدة قصيدة لا تصالح ضمن ديوان البكاء بين يدي زرقاء اليمامة، والتي نشرها في نوفمبر 1976، وكأنها كانت صرخة تحذير من التطبيع أو الصلح مع العدو، ولو منحنا الذهب.
والثاني قاوم بريشته وبرسمه، فألهم كاريكاتيره نفس الشباب من المحيط إلى الخليج، وكانت أيقونته الخالدة حنظلة، والذي تحول إلى رمز للمقاومة، بوقفته الشهيرة ويديه المعقودتين خلف ظهره، والذي توقف عمره عند العاشرة، وهي السن التي غادر فيها فلسطين، متمسكا بالعودة وحقه فيها، ليكبر من جديد.
الأول، أمل دنقل، قتله مرض السرطان، وهو في عمر الـ 43 عاما، وكان آخر ما كتبه ديوان أوراق الغرفة 8، وهي قصائد نشرتها زوجته عبلة الرويني بعد أربعين يوما من وفاته، وجمعت فيها قصائده الأخيرة في فترة مرضه، والتي كتبها على سرير الغرفة 8 التي كان يرقد فيها.
والثاني، ناجي العلي، قتله سرطان من نوع آخر، وهو سرطان الاحتلال وعملاؤه، الذي لاحقه حتى عاصمة الضباب لندن، وأطلق عليه السرطان رصاصة غادرة، ليفارق الحياة بعد دخوله في غيبوبة لمدة 37 يوما، عن عمر يناهز الـ 50 عاما.
ليترك أمل دنقل وناجي العلي ميراثا غنيا بالكلمات والرسومات، عنوانه المقاومة، والتمسك بالأمل، والدفاع عن الأرض وعدم التفريط فيها ولو مقابل كل كنوز الأرض، باعتبارها عنوانا للعرض والشرف.
قاوم بكلمات أمل وعلى رسم ناجي.
لا تصالح
فليس سوى أن تريد
انت فارس هذا الزمان الوحيد
وسواك.. المسوخ
لا تصالح لا تصالح