و الأخيرة

رئيس التحرير
محمود الضبع

من مصطفى مشرفة ليحيي المشد

عقول مصر الذرية ما بين الاغتيال أو الهجرة بسبب قتل الطموح وتعطل المشروع

موقع الصفحة الأولى

تعد مصر من أوائل الدول التي إنتهجت مجال الطاقة النووية منذ عام 1955، ومن مؤسسي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث بدأت المشروع النووي فى وقت مبكر من خلال إعداد كوادر فنية متخصصة فى مجال محطات الطاقة النووية .
كان إنشاء لجنة الطاقة الذرية فى مصر عام 1955، بينما جاء إنشاء مؤسسة الطاقة الذرية عام 1957، ورغم ذلك فإن تاريخ علماء مصر فى مجال الطاقة النووية يمتد إلى أوائل القرن العشرين، وتحديدا مع العالم المصري مصطفى مشرقة.
كان عالم الفيزياء مصطفي مشرفة، أول عميد مصري لكلية العلوم، وأحد العلماء القلائل على مستوى العالم الذين عرفوا سر تفتت الذرة وأحد العلماء الذين ناهضوا استخدامها في صنع أسلحة في الحروب، كما كان أول من أضاف فكرة جديدة، وهي إمكانية صنع مثل هذه القنبلة من الهيدروجين، إلا أنه لم يكن يتمنى أن تصنع القنبلة الهيدروجينية أبداً، وصفه أينشتاين بواحد من أعظم علماء الفيزياء.
دارت أبحاث الدكتور مشرفة حول تطبيقه الشروط الكمية بصورة معدلة تسمح بإيجاد تفسير لظاهرتي شتارك وزيمان.
كذلك، كان أول من قام ببحوث علمية حول إيجاد مقياس للفراغ، حيث كانت هندسة الفراغ المبنية على نظرية «أينشين» تتعرض فقط لحركة الجسيم المتحرك في مجال الجاذبية.
كما أضاف نظريات جديدة في تفسير الإشعاع الصادر من الشمس، والتي تُعد من أهم نظرياته وسبباً في شهرته وعالميته؛ حيث أثبت مشرفة أن المادة إشعاع في أصلها، ويمكن اعتبارهما صورتين لشيء واحد يتحول إحداهما للآخر. وفي 15 يناير 1950، مات إثر أزمة قلبية.

ميس كوري الشرق

وإذا كان مصطفى مشرفة هو رائد الفيزياء النووية فى الشرق الأوسط، فإن سميرة موسى، هي «ميس كوري الشرق»، فهي أول معيدة في كلية العلوم بجامعة فؤاد الأول، جامعة القاهرة حاليا.
حصلت سميرة موسي على بكالوريوس العلوم وكانت الأولي على دفعتها وعينت كمعيدة بكلية العلوم وذلك بفضل جهود مصطفي مشرفة الذي دافع عن تعيينها بشدة وتجاهل احتجاجات الأساتذة الأجانب، فحصلت على شهادة الماجستير في موضوع التواصل الحراري للغازات، وسافرت في بعثة إلى بريطانيا درست فيها الإشعاع النووي، وحصلت على الدكتوراة في الأشعة السينية وتأثيرها على المواد المختلفة.
كانت تأمل أن يكون لمصر والوطن العربي مكان وسط هذا التقدم العلمي الكبير، حيث كانت تؤمن بأن زيادة ملكية السلاح النووي يسهم في تحقيق السلام، فإن أي دولة تتبني فكرة السلام لا بد وأن تتحدث من موقف قوة فعاصرت ويلات الحرب وتجارب القنبلة الذرية التي دكت هيروشيما وناجازاكي في عام 1945 ولفت انتباهها الاهتمام المبكر من إسرائيل بامتلاك أسلحة الدمار الشامل وسعيها للانفراد بالتسلح النووي في المنطقة، قامت بتأسيس هيئة الطاقة الذرية بعد ثلاثة أشهر فقط من إعلان الدولة الإسرائيلية عام 1948
حرصت على إيفاد البعثات للتخصص في علوم الذرة فكانت دعواتها المتكررة إلى أهمية التسلح النووي، ومجاراة هذا المد العلمي المتنامي،نظمت مؤتمر الذرة من أجل السلام الذي استضافته كلية العلوم وشارك فيه عدد كبير من علماء العالم، توصلت في إطار أبحاثها إلى معادلة لم تكن تلقي قبولاً عند العالم الغربي كله.
استجابت الدكتورة سميرة إلى دعوة للسفر إلى أمريكا في عام 1952، أتيحت لها فرصة إجراء بحوث في معامل جامعة سان لويس بولاية ميسوري الأمريكية، تلقت عروضاً لكي تبقي في أمريكا لكنها رفضت وقبل عودتها بأيام استجابت لدعوة لزيارة معامل نووية في ضواحي كاليفورنيا في 15 أغسطس، وفي طريق كاليفورنيا ظهرت سيارة نقل فجأة؛ لتصطدم بسيارتها بقوة وتلقي بها في وادي عميق، قفز سائق السيارة- زميلها الهندي في الجامعة الذي يقوم بالتحضير للدكتوراة والذي- اختفي إلى الأبد.
كانت الدلائل تشير، طبقا للمراقبين، أن المخابرات الإسرائيلية هي التي اغتالتها، جزاء لمحاولتها نقل العلم النووي إلى مصر والوطن العربي في تلك الفترة المبكرة.

نبوغ سمير نجيب

يعتبر العالم سمير نجيب عالم الذرة المصري من طليعة علماء الذرة، فقد تخرج من كلية العلوم بجامعة القاهرة في سن مبكرة، وتابع أبحاثه العلمية في الذرة. ولكفاءته العلمية المميزة تم ترشيحه إلى الولايات المتحدة الأمريكية في بعثة، وعمل تحت إشراف أساتذة الطبيعة النووية والفيزياء وسنه لم تتجاوز الثالثة والثلاثين، وأظهر نبوغاً مميزاً وعبقرية كبيرة خلال بحثه الذي أعده في أواسط الستينات -خلال بعثته إلى أمريكا- لدرجة أنه فرغ من إعداد رسالته قبل الموعد المحدد بعام كامل.
تصادف أن أعلنت جامعة ديترويت الأمريكية عن مسابقة للحصول على وظيفة أستاذ مساعد بها في علم الطبيعة، وتقدم لهذه المسابقة أكثر من مائتي عالم ذرة من مختلف الجنسيات، وفاز بها الدكتور سمير نجيب، وحصل على وظيفة أستاذ مساعد بالجامعة، وبدأ أبحاثه الدراسية التي حازت على إعجاب الكثير من الأمريكيين. 
وكالعادة بدأت تنهال على الدكتور العروض المادية لتطوير أبحاثه، ولكنه بعد حرب يونيو 1967 صمم العالم على العودة إلى مصر وحجز مقعداً على الطائرة المتجهة إلى القاهرة يوم 13/8/1967.
وفي الليلة المحددة لعودته إلى مصر، فوجئ الدكتور سمير نجيب بسيارة نقل ضخمة تتعقبه، ثم أسرعت واصطدمت بسيارته ولقي مصرعه على الفور، وانطلقت سيارة النقل بسائقها واختفت، وقُيّد الحادث ضد مجهول.

نبيل القليني فى تشيكوسلوفاكيا

أما عالم الذرة نبيل القليني فله قصة أخري، انتهت باختفائه منذ عام 1975 ولم يتم معرفة أي شيء عنه بعد ذلك.
بدات قصته عندما أوفدته كلية العلوم في جامعة القاهرة إلى تشيكوسلوفاكيا للقيام بعمل المزيد من الأبحاث والدراسات في الذرة، وقد كشفت الأبحاث العلمية النووية التي قام بها عن عبقرية علمية كبيرة تحدثت عنها جميع الصحف التشيكية، ثم حصل على الدكتوراه في الذرة من جامعة براغ.
وفي صباح يوم الاثنين 27 يناير 1975 رن جرس الهاتف في الشقة التي كان يقيم فيها الدكتور القليني، وبعد المكالمة خرج الدكتور ولم يعد حتى الآن.
أرسلت كلية العلوم بجامعة القاهرة، إلى الجامعة التشيكية تستفسر عن مصير نبيل القليني الذي كان بعبقريته حديث الصحافة التشيكية والأوساط العلمية العالمية، ولم ترد الجامعة التشيكية، وبعد عدة مرات من جامعة القاهرة، ذكرت السلطات التشيكية أن العالم الدكتور القليني خرج من بيته بعد مكالمة هاتفية ولم يعد.

دعوة من صدام حسين

أما عالم الذرة يحيى المشد فقد انهى دراسته في كلية الهندسة جامعة الإسكندرية سنة 1952، وأختير لبعثة الدكتوراه إلى لندن سنة 1956، لكن العدوان الثلاثي على مصر حوله إلى موسكو، تزوج وسافر وقضى هناك ست سنوات، عاد بعدها سنة 1963 الدكتور يحيى المشد متخصصاً في هندسة المفاعلات النووية.
بعد حرب 1973 تم تجميد البرنامج النووي المصري، حيث تم تحويل الطاقات المصرية إلى اتجاهات أخرى، وهو الأمر الذي لم يساعده على الإبداع، ومع انبعاث المد العربي، تلقى عرض من الرئيس صدام حسين، فغادر إلى العراق ليبدع في ابحاثة في الذرة 
في يوم الجمعة 13 يونيه عام 1980، وفى حجرته رقم 941 بفندق الميريديان بباريس عُثر على الدكتور يحيى المشد جثة هامدة مهشمة الرأس ودماؤه تغطي سجادة الحجرة عن طريق الموساد الإسرائيلي، وقد أغلق التحقيق الذي قامت به الشرطة الفرنسية على أن الفاعل مجهول.
اعترفت إسرائيل والولايات المتحدة رسميًا باغتيال العالم المصري يحيى المشد، من خلال فيلم تسجيلي مدته 45 دقيقة، عرضته قناة «ديسكفري» الوثائقية الأمريكية تحت عنوان «غارة على المفاعل»، وتم تصويره بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي.
يتناول الفيلم تفاصيل ضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981، وفي هذا السياق كان لابد للفيلم من التعرض لعملية اغتيال يحيى المشد في الدقيقة 12:23، باعتبارها خطوة تأمينية ضرورية لضمان القضاء الكامل على المشروع النووي العراقي.
أما الدكتور وديع وهبي، كان أستاذا بجامعة القاهرة وله أبحاث عديدة في مجال الذرة، واختفى يوم الجمعة 27 يوليو، بعد أن خرج من منزله في الحادية عشرة صباحًا، لحضور حفل "رسامة شيوخ جُدد" بالكنيسة الإنجيلية بمصر الجديدة.

تم نسخ الرابط