و الأخيرة

رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

اليقين هو التأكد الذي لا شك فيه ، وينقسم الى درجات ثلاث ادناها (علم اليقين) وأوسطها (عين اليقين) وأعلاها (حق اليقين) ، فأما (علم اليقين) على نحو قوله تعالى: ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) التكاثر ، وهنا ينفي رب العالمين عن الناس علم اليقين للهوهم بالتكاثر في الاموال والأنفس والثمرات والسعي في الحياة فليس لديهم علم اليقين ، ولو ان عندهم علم اليقين لاختاروا الحلال من التكاثر لان الحرام هو باب الجحيم ، اي انه لو عندكم علم اليقين لتيقنتم ان طريق اللهو والغفلة والكسب الحرام هو طريق الجحيم .
وأما (عين اليقين) فهو العلم الأكيد المعتمد على الرؤية الحقيقية ، على نحو قوله تعالى:  ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) التكاثر ، اي انكم عندما تموتون وتقبرون وتكونون في المقابر فسيصبح اليقين هاهنا يقين رؤية وعلم ، فينتقل من كونه علم فقط الي رؤية أيضاً ففي المرة الاولى كنتم في الدنيا وبلغ القليل منكم مرتبة (علم اليقين) وفي الثانية بعد الموت ، يصبح اليقين علم ورؤية  فيكون (عين اليقين) 
اما (حق اليقين) فهو العلم والرؤية والممارسة على نحو قوله سبحانه وتعالى: فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لّا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) الواقعة ، وفي هذه الايات الكريمة ، يصور لنا الحق سبحانه عند الموت والناس حول الميت ينظرون ولكنهم لا يقدرون على شيء ولا يستطيعون والله اقرب الي الميت ممن حوله ولكنهم لا يبصرون ، وهنا تخرج الروح ، والميت على احدى ثلاث حالات ، فان كان من المقربين فروح وريحان وجنت نعيم ، وأما يكون من اصحاب اليمين فسلام لك من اصحاب اليمين لانهم في الجنة منعمين ، وأما ان كان من الصنف الثالث والعياذ بالرحمن الرحيم فهو من المكذبين فنزل من حميم وتصلية جحيم  ، وفيّ الحالات الثلاث يصبح اليقين علم ومشاهدة وممارسة فيكون (حق اليقين) ، لذلك اجمع جمهور العلماء على ان الموت هو اليقين على نحو قوله سبحانه وتعالى: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) المدثر ، لانه يجمع درجة علم اليقين وعين اليقين وهو الباب الي درجة حق اليقين ، فاللهم ان نسألك علم اليقين في الدنيا والذي تحول به بيننا وبين معصيتك وعين اليقين عند الموت الذي يبشرنا بنعمتك وحق اليقين في الآخرة الذي ينعمنا في جنتك ، اللهم امين.

وتبقى مسأله لاحت لي في خاطره ، قول إبراهيم عليه السلام في قوله سبحانه وتعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة 260 

علم اليقين 


المتدبر لهذه الاية وما قبلها يعلم ان ابراهيم كان عنده علم اليقين حيث قال للنمرود (إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) البقرة 258 ، إذا فان إبراهيم كان على علم وثقة ان الله يحيى ويميت فلماذا ساله (ارني كيف تحي الموتى؟) اي أخرجني من علم اليقين الي عين اليقين ، فلما ساله رب العزة سبحانه (أولم تؤمن؟) قال (بلى) اي آمنت ياربي ، (ولكن ليطمئن قلبي) يطمئن قلبه على ماذا؟ وهو متيقن ان الله يحيي ويميت وقد حاج النمرود في ذلك ، يطمئن قلبه ان الله اتخذه خليلا فرفعه درجة من علم اليقين الي عين اليقين ، في قوله سبحانه وتعالى (ومَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) النساء 125 ، فاراد إبراهيم ان يرفعه الله درجة بعلم الرؤية الذي ليس لغيره ، والله سبحانه وتعالى يعرف مراده وأن اطمئنان قلبه ليس عن شك في قدرة ربه ولكن عن رغبة في رفع مكانه واثبات اصطفاء ربه له ، فاراد ان يطمئن قلبه لمكانته ، لذلك فان الله أجابه ليس فقط الي عين اليقين بل الي حق اليقين بان جعله هو نفسه يمارس عملية الاحياء بعد الموت فأمره ان ياخذ اربعة من الطير فيصرهن ويذبحهن ويجعل على كل جبل جزء منهن ثم بعد ذلك يدعهن فيأتينه سعياً ، ويكون بذلك إبراهيم ليس فقط شاهد ورأي بل مارس وفعل فيكون لديه اليقين الأعلى وهو حق اليقين ، ان الله اصطفاه على العالمين ، هذا والله سبحانه وتعالى اعلى واعلم

تم نسخ الرابط