بين تخاذل عربي وتواطؤ دولي وتحالف أمريكي فرنسي ألماني بريطاني مع سبق الإصرار والترصد انتصرت المقاومة الفلسطينية، وسجل الشعب الفلسطيني أسطورة جديدة في كتابه النضالي " شعب الجبارين" ضد الاحتلال الإسرائيلي والمؤامرة الصهيونية التي تدار ضده على مدى 77 عاماً.
النصر جاء بفشل المخطط الصهيوني بتهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة إلى سيناء، والذي لعبت فيه مصر دوراً كبيراً وناجحاً بإصرارها ورفضها فكرة تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه لوطن بديل، وأدركت مصر في ذلك المخطط ما تسعى له إسرائيل باستدراجها لمواجهة عسكرية باحتلالها محور صلاح الدين بالمخالفة لاتفاقية السلام، علماً بأن المحور هو أرض فلسطينية ولكنه يخضع للمراقبة المصرية وفقا لملاحق اتفاقية "كامب ديفيد" والتي أبرمت عام 2005 عندما انسحب الاحتلال من قطاع غزة، كما قامت إسرائيل باحتلال معبر رفح من الجانب الفلسطيني طالبةً من مصر إدخال المساعدات كوسيلة للاعتراف بهيمنتها على القطاع لكن القاهرة رفضت، فقام الاحتلال بتدمير المعبر من الجانب الفلسطيني.. مصر أصرت أيضاً خلال مراحل التفاوض على انسحاب الجيش الإسرائيلي من كامل القطاع ومحور صلاح الدين ومعبر رفح، مما كان دعماً للمفاوض الفلسطيني..
وهنا نتذكر كلمة للشهيد إسماعيل هنية قال فيها لمصر "خياركم خيارنا.. وقراركم قرارنا" ليؤكد أن الموقف المصري لم يكن إلا موقفاً فلسطينياً، وكان الإعلام الإسرائيلي والإعلام الموالي له والإعلام الحاضن للمقاومة الإسلامية فقط والمعادي لمصر، قد روج لفكرة أن مصر تشارك إسرائيل حصار الشعب الفلسطيني بقطاع غزة بإغلاقها معبر رفح وترفض إدخال المساعدات وخروج المرضى والمصابين.. وشدد الشهيد هنية على ضرورة بقاء الشعب الفلسطيني متمسكاً بأرضه حتى لا تتكرر نكبة 1948. ولقد واجه الشعب مخطط التهجير الذي مارسته الآلة العسكرية الصهيونية بقتل الحياة في قطاع غزة بالبقاء والتمسك بالأرض.
ومن نجاحات طوفان الأقصى سقوط نظرية تحرير الرهائن بالقوة، ولم تتمكن إسرائيل خلال حرب الإبادة والتطهير العرقي من استعادة رهائنها لدى المقاومة إلا بهدنة سابقة هندستها القاهرة.. لتعيد ذكرى إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط مقابل 1027 سجين فلسطيني بينهم الشهيد البطل يحيى السنوار، بإدارة مصرية أيضاً، في عام 2011، والتي أطلقت عليها إسرائيل صفقة إغلاق الزمن، وأطلقت عليها المقاومة الفلسطينية "صفقة وفاء الأحرار"، والتي تضمنت الإفراج عن 300 سجين من حركة فتح و50 من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين و20 من الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، و180 ليس لديهم انتماءات لفصيل بعينه.. وفي الصفقة الحالية "وفاء الأحرار 2" اشترطت حماس إطلاق سراح 11 من محرري صفقة شاليط، أعادت إسرائيل اعتقالهم ضمن المرحلة الأولى وهم ينتمون لفصائل متعددة، كما تصر حماس على إطلاق سراح مروان البرغوثي من حركة فتح، وأحمد سعادات من الحركة الشعبية ضمن المحكوم عليهم بالمؤبدات.. حماس سعت إلى إبرام صفقة تبادل وطنية، تشمل أسرى من كل فصائل وأبناء الشعب الفلسطيني، لأن معركة طوفان الأقصى كانت معركة كل الفصائل والشعب.
والاتفاق بنكهة مصرية
الأمر الهام في اتفاق وقف حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وتبادل الأسرى والمحتجزين، الذي أعلن عن بدء تنفيذه في التاسع عشر من يناير 2025، قبل 24 ساعة من وصول الرئيس ترامب للبيت الأبيض هي فكرة مصرية بالأساس.. وذلك ما شهد به السيناتور الأميركي المستقل بيرني ساندرز في لقاء لإحدى القنوات الإخبارية العربية حيث وجه انتقادات لرئيس الوزراء الإسرائيلي لقبوله اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الآن وهو نفسه الذي طرح في مايو، وتم قتل 10 آلاف شخص منذ ذلك الحين، مشدداً على ضرورة إدخال المساعدات الكافية للقطاع دون عراقيل وبسرعة فائقة في مطلع مايو 2024، قدمت مصر مقترح وصف بأنه المخرج الأمن لجميع الأطراف للخروج من النفق المظلم بتوزيع النصر والهزيمة على الطرفين بقدر متساوي، وسيؤجل الصراع لمدة 5 سنوات الصفقة المصرية وافقت عليها حركة حماس بصفتها الممثل الشرعي للمقاومة الفلسطينية بعد التشاور مع الفصائل وقالت الفصائل وقتها " إنها أفضل صفقة قدمت لوقف حرب الإبادة"، لكن إدارة بايدن الصهيونية الكاذبة ونتنياهو، رفضوا الصفقة.
الصفقة المصرية المسروقة من قبل إدارة بايدن، كانت تتضمن 3 مراحل تستغرق 108 أيام، بواقع 36 يوما لكل مرحلة، تفضي لوقف دائم وإعادة الإعمار. والمقترح المصري الذي حقق النصر والهزيمة للطرفين بمستوى واحد، يضمن في المرحلتين الأولى والثانية إطلاق سراح جميع المُحتجزين الإسرائيليين من مدنيين وجنود الأحياء الموجودين في قطاع غزة خلال فترات وأزمنة مختلفة، مقابل إطلاق سراح أكبر عدد من الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية، وعدم اعتقال الأسرى الفلسطينيين المُحررين استناداً إلى نفس التُّهم التي اعتُقلوا بسببها سابقاً..ويقضي المقترح المصري الإفراج عن 33 رهينة في المرحلة الأولى، وحددت الورقة المصرية 20 سجين فلسطيني مقابل كل رهينة مدنية، و40 سجينا فلسطينيا مقابل كل مجندة.. ويضمن المقترح إعادة الإعمار ووقف القتال والتهدئة لمدة خمس سنوات وانسحاب القوات الإسرائيلية خارج القطاع مع نهاية المرحلة الثانية، وعودة النازحين لمناطق سكنهم.. وإدخال 500 شاحنة يوميا من المساعدات الغذائية والطبية والإنسانية والوقود لتشغيل المخابز والمستشفيات ومحطات الكهرباء والمياه ومعدات إزالة الركام.. وأيضا خروج الجرحى العسكريين للعلاج عبر معبر رفح.. وقيام وكالات الأمم المُتحدة والمُنظمات الدولية الأخرى بأعمالها في تقديم الخدمات الإنسانية في كل مناطق قطاع غزة، في جميع مراحل الاتفاقية.. والبدء في إعادة تأهيل البنية التحتية، وتسهيل إدخال المُستلزمات والمُتطلبات اللازمة لإنشاء مُخيمات الإيواء لاستيعاب النازحين الذين فقدوا بيوتهم خلال الحرب.
وتتضمن المرحلة الثالثة والأخيرة تبادل جميع جثامين ورفات الموتى لدى الجانبين بعد الوصول والتعرف إليها. والبدء في تنفيذ خطة إعادة إعمار قطاع غزة لمدة 5 سنوات بما يشمل البيوت والمُنشآت المدنية والبنى التحتية. ويمتنع الجانب الفلسطيني عن إعادة إعمار البنى التحتية والمُنشآت العسكرية ولا يقوم باستيراد أيّ معدات أو مواد أولية أو مكوّنات أخرى تُستخدم لأغراض عسكرية، ورقة القاهرة التي عرقلها النتن ياهو بدعم من الإدارة الأمريكية الصهيونية الكاذبة ثم سرقوها وأعادوا صياغتها بصيغة تمنح إسرائيل النصر، ورفضتها المقاومة وتصدت لها مصر برفضها تواجد الاحتلال بمحور صلاح الدين ومعبر رفح وكافة أراضي القطاع، مما زاد من صلابة المفاوض الفلسطيني، وخلال فترات المباحثات تم تعديل ما عرف بصفقة الكذوب بايدن، وعادت الورقة لأصلها المصري، ورغم ذلك لم تتحدث مصر وتتدعي لأن ما يعنيها هو الشعب الفلسطيني ونصرته.
الاحتلال فشل في تحقيق مخططاته الخاصة بقطاع غزة بفضل إصرار الشعب الفلسطيني الذي ضحى بين 7 أكتوبر 2023، و30 يونيو 2024، بنحو 64260 شهيداً، وفقا لإحصائيات مجلة "ذا لانسيت" البريطانية والتي أكدت في دراسة لها أن ذلك الرقم ناتج عن الإصابات العنيفة في قطاع غزة..
الاحتلال بحكم المحكمة الجنائية الدولية والمنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية أرتكب جريمة حرب الإبادة الجماعية، وهي جريمة مكتملة الأركان بحق الشعب الفلسطيني، وبشهادة الأمم المتحدة بأن إزالة الركام المدمرة في غزة قد يتطلب 14 عاماً، وأن إعادة إعمار المنازل المدمرة قد يستمر حتى 2040.. كما ارتكب الاحتلال خلال المئة يوم الأخيرة حرب تطهير عرقي ضد الشعب الفلسطيني شمال القطاع، والذي يضم مدينة غزة وبيت حانون وبيت لاهيا وجباليا بمخيمها، واتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إسرائيل بتعمدها استهداف المستشفيات والمساكن وعمال الإغاثة وتدمير المدارس والمخيمات في غزة. فيما قدرت منظمة الصحة العالمية تكلفة إعادة بناء القطاع الطبي بغزة بنحو 10 مليارات دولار، فشلت مقولة القضاء على المقاومة خاصة حركة حماس وهو حلم شاركت فيه بعض الأنظمة العربية وقليل القليل من حركة فتح والسلطة الفلسطينية، لأن المقاومة أظهرت مدى عجز السلطة في مواجهة المخططات الإسرائيلية، تلك السلطة التي دخلت منذ أيام في مواجهة مسلحة مع الفصائل بالضفة الغربية، وكأنها خط دفاع متقدم للاحتلال.
انتصر الشعب الفلسطيني، شعب الجبارين كما وصفه المناضل الزعيم ياسرعرفات "أبو عمار"، بالصمود ومقاومة التهجير القسري والجوع والبرد والقصف وخلق لنفسه حياة وسط الركام وحطام الحياة التي قتلتها إسرائيل وأمريكا بدعم ألماني وفرنسي وبريطاني وقليل من العرب وحفنة من المسلمين.. وانتصرت المقاومة في غزة لأن الشعب أحتضن المقاومة.. والمقاومة انتصرت بالشعب.. أو كما قال الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم إنّ “المقاومين والشعب الفلسطيني أفشلوا مخطط إسرائيل الكبير”.