مساعدات الشمال تجدد "صراع الأخوة ".. حكاية شاحنات المخابرات الفلسطينية لقطاع غزة
في الوقت الذي تواصل فيه الآلة العسكرية الإسرائيلية حرب الإبادة الجماعية بقطاع غزة، واقتحام واعتقال وقتل الفلسطينيين بالمدن والمخيمات بمناطق السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية، لم تنس حركتا فتح وحماس الخلاف بينهما والذي أطلق عليه من قبل "صراع الأخوة".
وهو في باطنه صراع على السلطة والنفوذ، وظاهره الحفاظ على المقاومة والتمسك بها كحل شرعي لمواجهة الاحتلال والحفاظ على مصلحة الشعب الفلسطيني المشتت منذ العام 1948، والواقع تحت طائلة الإجرام الممنهج للاحتلال الإسرائيلي.
منذ أيام قام 7 من عناصر جهاز المخابرات العامة الفلسطينية بعملية مخابراتية لإدخال المساعدات لشمال القطاع الجائع بمساعدة مجموعة من أبناء الشمال النازحين إلى رفح، فاندلعت حرب كلامية واتهامات بين حماس التي اتهمت السلطة بمحاولة لزرع البلبلة داخل القطاع وقام جهازها الأمني بقتل وإصابة واعتقال أفراد المجموعة.. ومن جانبه ردت فتح والسلطة باتهام حماس بأنها سبب معاناة وذبح الشعب الفلسطيني بالقطاع.. وكأنهم دولتان متصارعتان وليس شعب واحد يواجه نفس المصير.
حماس تتهم السلطة ومصر تبرئ نفسها
تجددت الاتهامات بين حركتي فتح وحماس يوم السبت الماضي (31 مارس 2024) بإعلان مصدر بوزارة الداخلية في غزة، بأن الأجهزة الأمنية في القطاع ألقت القبض على عشرة ضباط وجنود يتبعون جهاز المخابرات العامة التابع للسلطة الفلسطينية تسللوا مساء السبت إلى غزة بأوامر من رئيس الجهاز ماجد فرج.
وقال المصدر في بيان له: “دخلت قوة أمنية مشبوهة يوم /السبت/ مع شاحنات الهلال الأحمر المصري ونسقت أعمالها كاملا مع قوات الاحتلال، وأدار اللواء ماجد فرج عمل القوة بطريقة أمنية مخادعة، ضللت فيها الفصائل والعشائر الفلسطينية".
وأضاف القيادي في الوزارة: "الجانب المصري أبلغ هيئة المعابر عدم علمه بالقوة الأمنية التي تسلمت الشاحنات المصرية، وأخلى المسؤولية الكاملة عنها.. وأوضح المصدر أن الشرطة الفلسطينية في رفح ألقت القبض على 6 منهم في بادئ الأمر قبل أن تصل للأربعة الآخرين".
وأكد المصدر القيادي أن وزارة الداخلية في القطاع تعمل وفقا لتوجيهات من الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة بأن أي قوة أمنية لا تدخل غزة عبر المقاومة يتم معاملتها معاملة قوات الاحتلال.
العملية تم تنسيقها بإحدى الدول العربية
وأوضحت الجبهة الداخلية في غزة في بيان منسوب لها أن عملية تسلل عدة ضباط وجنود يتبعون لجهاز المخابرات العامة في رام الله، لمنطقة شمال غزة كان الهدف منها إحداث حالة من البلبلة والفوضى في صفوف الجبهة الداخلية، وأن هذه العملية تمت بتأمين من جهاز الشاباك الإسرائيلي وجيش العدو، بعد اتفاق تم بين الطرفين الأسبوع الماضي بإحدى العواصم العربية التي لم تتم تسميتها.
وأضاف البيان: إن الأجهزة الأمنية في غزة تعاملت مع هذه العناصر، وتم اعتقال 10 منهم، وإفشال المخطط الذي جاؤوا من أجله، وشددت الجبهة الداخلية على أنه "سيتم الضرب بيد من حديد على كل من تسوّل له نفسه أن يلعب في مربع لا يخدم سوى الاحتلال".
السلطة تنفي وآخرون يؤكدون
ومن جانبها أكدت السلطة الفلسطينية في بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية "وفا" عن مصدر رسمي بأن إعلان وزارة الداخلية في غزة بإرسال عناصر من المخابرات للقطاع لا أساس له من الصحة.
وأكد المصدر الرسمي أن السلطة الفلسطينية مستمرة في تقديم كل ما يلزم لإغاثة شعبنا، ولن ننجر خلف حملات إعلامية مسعورة تغطي على معاناة شعبنا في قطاع غزة وما يتعرض له من قتل وتهجير وتجويع. وإن معاناة شعبنا ودمه النازف والتدمير الشامل للقطاع أكبر من المزايدات وأكبر من المشاريع الحزبية الضيقة.
وفي الوقت ذاته أعلن في رام الله عن استشهاد ضابطين من المخابرات (هما عبد الفتاح المصري وعبد الله البربري) وإصابة ثلاثة آخرين عند دوار الكويت، الذي يعد المدخل الرئيسي لمحافظتي الشمال بقطاع غزة.. من قبل الأجهزة الداخلية بقطاع غزة بتهمة تأمين دخول شاحنات المساعدات لأهال شمال القطاع.
ما بين المزاعم المنسوبة لحماس وتصريحات السلطة وحركة فتح التي تحمل النفي والتأكيد على قيام عناصر من المخابرات بتأمين إدخال المساعدات للشمال.. ظهرت روايات منسوبة لبعض قادة فتح أنه نتيجة لفشل محاولات السلطة لإيجاد وسيلة لإدخال المساعدات لأهالي محافظتي الشمال بطريقة أمنة، قامت مجموعة من شباب ورجال غزة ينتمون لجهاز المخابرات العامة الفلسطينية بتأمين إيصال المساعدات.. وارتقى منهم بطلان.. إثر تعرض المجموعة لإطلاق النار من جانب الأجهزة الأمنية بغزة والتي حاصرتهم.
ولدى المصري تفاصيل القصة
وفي الأثناء نفى الناشط الفلسطيني حمزة المصري عبر صفحته بوسائل التواصل الاجتماعي وهو شقيق الشهيد عبد الفتاح حمزة المصري الذي لقي مصرعه في الواقعة،
نفى انتماء الشباب للمخابرات الفلسطينية أو أيً من الفصائل الفلسطينية.. وقال: هما 80 شابا من أبناء شمال غزة النازحين إلى رفح، ولديهم علاقات وثيقة بكافة الفصائل واللجان الشعبية والعشائرية لتأمين المساعدات.. وأوضح أنهم تلقوا اتصالا بالذهاب لمعبر رفح لاستلام 20 شاحنة محملة بالمساعدات لمحافظتي الشمال المحاصر من قبل قوات الاحتلال التي تمنع إدخال المساعدات لهم ويعيشون في مجاعة..
ووفقا لحديث المصري الذي وثق بالفيديو لحظات استلام الشباب للشاحنات.. تسلم الشباب الشاحنات وتمت حمايتهم من قبل أهالي الجنوب والوسط للوصول للشمال، وذلك بالتنسيق مع الصليب الأحمر والهلال الأحمر الدوليين والفلسطيني واللجان الشعبية وتمكنوا من الدخول للشمال وتوزيع المساعدات بأمان وحق، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك، على حد قول المصري، الذي أوضح أن الشباب عند عودتهم قام طيران الاحتلال بقصف الشاحنات في الواحدة من صباح السبت، مما أدى لاستشهاد 17 بينهم شقيقه وإصابة 62 أخريين، مشيرا إلى أنه لم يتم عدم اعتقال أحد.
رواية ثالثة لموقعة الشاحنات
انتهى حديث شقيق الشهيد، والذي تتفق روايته في كثير من جوانبها مع الشاهد الثاني، الذي لم يذكر اسمه، ونشر مقطع صوتي له عبر إحدى صفحات التواصل الاجتماعي المنسوبة لحركة فتح.. موضحا أن جهاز المخابرات الفلسطيني قام بتجهيز الشاحنات في مصر وإرسالها عبر معبر رفح بالتنسيق مع الهلال الأحمر الفلسطيني، بهدف تأمين وصولها للشمال دون التعرض لها مما وصفهم بلصوص المساعدات الذين يستغلون الأزمة لتحقيق مكاسب اقتصادية.. وأن الجهاز قام بالتواصل مع مجموعة من المنتمين له بقطاع غزة لتأمين إيصال المساعدات..
وأضاف: أنه أثناء عودتهم لرفح تعرضوا لقصف من دبابات وطائرات الاحتلال بدوار الكويت المؤدي لشمال القطاع، مما أدى لاستشهاد ثلاثة منهم وإصابة 5 أخرين وأنهم ظلوا محاصرين لليوم التالي بون ماء أو طعام.
وختم الشاهد حديثه بأن ما حدث هو وقفة من جهاز المخابرات الفلسطينية مع أهالينا بالشمال، الذي يعجز الجميع عن إدخال المساعدات له في ظل الحصار الذي يفرضه عليه الاحتلال ويتعرض لمجاعة حقيقية.. ولا صحة للمزاعم بشأن أنها عملية استخباراتية لإحداث البلبلة.
القصف الإسرائيلي يوقف عمل العشائر
وفي الأثناء أصدرت اللجنة الشعبية والعشائرية لتأمين المساعدات إيقاف عملها بسبب استمرار اعتداء الاحتلال عليها أثناء ممارسة عملها على مدار عدة أيام مما أدى لاستشهد أكثر من 70 شهيدا، وإصابة العشرات.
وطالبت اللجنة الأمم المتحدة الأمم المتحدة بضرورة العمل على إعادة وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين وبرنامج الغذاء العالمي والصليب الأحمر للعمل في محافظتي غزة وشمال غزة، ووضع برنامج إغاثي متكامل يغطي احتياجات الأُسر من حيث الكم والنوع.
نهاية المشهد
وفي نهاية الروايات التي تجمع على أن المخابرات الفلسطينية قامت بتنفيذ عملية إدخال شاحنات المساعدات لشمال القطاع بدون التنسيق مع الفصائل والعشائر داخل غزة. في حين اختلفت الروايات حول تعرض المجموعة للقصف من قبل قوات الاحتلال، أو من جانب الأجهزة الداخلية بغزة.. وإن كانت روايات الفتحاويين تؤكد تعرضهم لإطلاق نار فلسطيني وهذا يتفق مع روايات المصدر بوزارة الداخلية الفلسطينية بقوله "سيتم التعامل مع أي قوات تدخل القطاع بدون تنسيق معهم كأنها قوات احتلال"
يناشد الناشط الفلسطيني حمزة المصري من وصفهم بالعقلاء بحركة حماس وضع حد لمن وصفهم بالمراهقين، وأنه يجب على من نشر البيان سواء كان مقيما في قطر أو تل أبيب أن يعتذر عن البيان والتوقف عن إلقاء التهم، لأن أعضاء المخابرات والأمن الداخلي والكتائب المقاتلة والفصائل التي هي وسيلة وليست غاية، هم أبناء العائلات الفلسطينية التي تقتل وتهدم منازلهم ويعيشون مشردين بالخيام داخل القطاع وليس خارج فلسطين.