اشتهر بفتاويه المثيرة للجدل
معركة الشيخ بخيت حول فتوى عدم صيام رمضان.. الأزهر ينتفض وطه حسين يتدخل

الاسم: الشيخ عبد الحميد بخيت
الوظيفة: مدرس في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر
شهدت فترة الخمسينيات من القرن الماضي، معركة فقهية ساخنة، وصل صداها إلى صفحات الجرائد وقاعات المحاكم، وبدأت حينما أصدر الشيخ عبد الحميد بخيت المدرس في كلية أصول الدين بالأزهر، فتوى بإباحة إفطار رمضان لمن يشق عليه الصيام، قائلا إن الله لم يخلق البشر ليعذبهم، ولكن لتعويدهم على الصبر على المكاره وقوة الاحتمال في النوازل، كما يريد الله بهم اليسر والبساطة والسهولة ولا يطلب منهم شيئا يضايقهم ويعقد الحياة لديهم.
وجاءت فتوى الشيخ عبد الحميد بخيت، والتي نشرها في مقال، بجواز إفطار نهار رمضان لمن يؤذيهم الصوم ولو قليلا من الأذي وشرح في فتواه، قائلا: "من يشق عليه الصوم أو يضايقه فإن له أن يفطر ويطعم كل يوم مسكيناً، ومن لم يجد فلا جناح عليه أن يفطر ولا يطعم".
الأزهر يرفض
وخرج الأزهر الشريف بعدها مهاجما فتوى الشيخ بخيت ومنكرا لها، وأصدر بيانا قال فيه إن ما نشره الشيخ بخيت مخالفة صريحة لأحكام الصوم، وكل ما أتي في الفتوى لا يستند إلي دليل أو شبه دليل وهو مخالف مخالفة صريحة لقوله تعالي «فمن شهد منكم الشهر فليصمه»، ويجب أن تقتصر الرخص في الإفطار على ما أتت به الشريعة فقط وهما المريض والمسافر.
ولم يكتف الأزهر الشريف ببيان رفض الفتوى، ولكنه قرر إجراء التحقيق مع الشيخ بخيت، تمهيدا لنقله إلى وظيفة أخري غير التدريس، وأحيل إلى المحاكمة التأديبية، وبالفعل عقد مجلس تأديبي برئاسة الشيخ الحسيني سلطان، وكيل الأزهر، ووجهت له تهمة إصدار فتوى تحت عنوان "حديث الصيام" تبيح الإفطار في رمضان إذا كان في الصوم مشقة.
ودافع الشيخ بخيت عن نفسه قائلا إنه يشعر كما لو كان جنديا يناضل لتحطيم الوثنية الدينية، وجاء قرار مجلس التأديب بإبعاده عن التدريس، وجاء في حيثيات الحكم أنه كان يستحق أقصى عقوبة تأديبية وهي الفصل، ولكن المجلس كان رحيما به، خاصة بعد أن أعلن في مقال بجريدة الجمهورية تراجعه عن الفتوى، بعد أن رفضت جريدة الأخبار نشره.
واثناء إجراءات القضية التي شهدت عدة مرافعات، أرسل الشيخ بخيت لجريدة الجمهورية بيانا، يعلن فيه تراجعه عن رأيه في إباحة الإفطار، وتعلل بالأخطاء المطبعية والتفسيرات اللغوية للعامة ونشر، ولكن بعد تسليمه البيان بساعة، عاد الشيخ للاتصال بالجريدة يطلب منهم سحبه، بناء على رأي محاميه لأنه سيضر موقفه بشدة، وهو ما أثار دهشة علماء الأزهر والأوساط الصحفية، وسط تساؤلات عن سر الضجة التي أثارها وعن سبب تراجعه المفاجئ.
واشتعلت بعدها حرب المقالات المؤيدة والرافضة لفتوى الشيخ بخيت، وكان أبرز من دخل على خط الأزمة، عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، والذي دافع عن الشيخ بخيت من منطلق حق الخطأ، كما رفض محاكمة شيوخ الأزهر علي إبداء رأيهم في بعض القضايا الاجتهادية، مؤكدا دفاعه عن حرية الرأي.
وتحت عنوان "رأي في محاكمة علماء الأزهر: حق الخطأ"، قال الدكتور طه حسين إنه يعارض محاكمة علماء الأزهر علي ما يبدونه من آراء، وينعي علي الأزهر جموده وثباته على القديم وعدم قدرته علي فتح الباب أمام الاجتهاد، فمن حق الناس أن تخطئ، وويل لأمة يعاقب الناس فيها على الخطأ، وويل لأمة لا تعرف الحرية ولا تقدر ولا تقيم أمرها على القصد والاعتدال، وإنما تقيمه على الغرور".
وطالب طه حسين شيخ الأزهر بالعدول عن هذه القضية التي لا خير فيها للأزهر ولا لمصر ولا للإسلام، قائلا إن عليه أن يدعو هذا الأستاذ ويعظه وينصح له برفق وأن يطلب منه الاحتياط قبل أن ينشر على الناس.
فتاوى الشيخ بخيت
ولم تكن فتوى إباحة الإفطار في رمضان الوحيدة للشيخ بخيت التي أثارت جدلا وأشعلت معارك وأزمات، فقال في أحد الحوارات الصحفية، إنه يؤيد ظهور الشخصيات الإسلامية في السينما، وإنه يوافق بكل قوة على إظهار قصة حياة خالد بن الوليد على الشاشة، ولكن ينبغي عند إخراج هذه الأفلام أن يحسن المسئولون اختيار الذين يقومون بهذه الأدوار بحيث تمكنهم مواهبهم من أدائها على الوجه الأكمل، وكذلك يجب أن يكون الفنان الذي يقوم بهذه الأدوار الإسلامية ملمًا باللغة العربية وله صوت جهوري ونبرات واضحة، وفي إبراز الشخصيات الإسلامية ما يحقق الرجاء في إحياء مجدنا القومي.
ويرى الشيخ بخيت أنه لا يوجد في كتاب الله ولا في سنة نبيه نص يحرم تمثيل رسول الله نفسه فضلا عن الصحابة ومن تلاهم، وغاية الأمر أن نقصد المصلحة العامة من إبراز هذه الشخصيات.
ورأى الشيخ بخيت أيضا أنه لا مانع من اشتغال المرأة المسلمة بالفن، طالما كان ذلك في حدود المبادئ الإسلامية، وقد يكون ذلك مستحبًا إذا أدى إلى منفعة كتدعيم فكرة اجتماعية وأخلاقية بحيث لا يمكن إدخالها في تفكير الناس إلا عن طريق الفن، وعندئذ يكون الفن مطلوبًا شرعًا زد على ذلك أنه لا توجد نصوص في الإسلام تحرم التمثيل.
وقال في حواره: "أوافق على عمل ابنتي بالفن، إذا دعت الظروف لتدعيم فكرة دينية أو أخلاقية كما قلت، وقتها لا أجد مانعًا من عمل ابنتي بالفن، بل قد يكون ذلك واجبًا مادام ان الاشتغال بالتمثيل لا يؤدي إلى فجور ودنس، وقد حرمت الشريعة الإسلامية الزنا وكل ما يؤدي إليه ولكنها أباحت ما عدا ذلك".