500 زائر يوميا
أسرار الرحلة المقدسة لدير سانت كاترين .. نصف حجة وروحانية كاملة
يعرف دير سانت كاترين بأنه الأقدم في العالم.. ففى جنوب سيناء وأسفل جبل كاترين، وبالقرب من جبل موسى، يقع دير سانت كاترين الذى سمي بهذا الإسم نسبة إلى القديسة "كاترين"، والتي ولدت بالإسكندرية في أواخر القرن الثالث الميلادي.
كانت القديسة كاترين ابنة حاكم الإسكندرية، وقد اعتنقت المسيحية دون بقية أسرتها، فأراد أبوها أن يلهيها عن إيمانها بجميع المغريات، إلا أن جميع محاولاته باءت بالفشل، فأمر بتعذيبها حتى ماتت، لكن الملائكة حملت جثمانها واختفت به بعد وفاتها حتى اكتشف بعد 500 عام على قمة الجبل الذى أقيم عنده الدير وسمى باسمها.
وضم الدير بئر يقال إنها بئر موسى عليه السلام، كما أنه قد بنى حول شجرة يقال إنها شجرة موسى التى اشتعلت بها النيران فاهتدى إليها موسى ليكلم ربه، وقد جرت على مر التاريخ محاولات لاستزراع تلك الشجرة خارج الدير، لكن باءت المحاولات بالفشل، ولم تنم الشجرة فى أى مكان آخر خارج الدير.
مركزا للحج المقدس
كل هذه القداسة التى تحيط بالدير، جعلت من مدينة سانت كاترين مركزا للحج المقدس لإحدي الطوائف المسيحية في العالم، وتشهد المدينة إقبالا سياحيا كبيرا منذ انتعاش الحركة السياحية في منتجعات جنوب سيناء، حيث يزور كنيسة الدير أكثر من 500 سائح يوميا، وذلك بعدما قررت إدارة الدير فتح باب الكنيسة الكبرى للزوار .
ويطلق على الكنيسة الكبيرة بالدير كنيسة التجلي أو كنيسة القديسة كاترينا، لافتا إلى أنها بنيت في القرن الثالث الميلادي في عهد إنشاء الدير على طراز البازليكا المعماري، حيث تحتوي علي النارتكس أي المدخل المستعرض، وداخلها يوجد جناح أيمن وأيسر يفصلان بين بهو الكنيسة بـ12 عمودا ترمز إلى شهور السنة.
وتضم الكنيسة، الحجاب أو حامل الأيقونات، وهي منطقة فاصلة بين البهو وصحن الكنيسة، أما الهيكل فيضم المذبح وحنية الكنيسة، حيث يوجد بها أقدم حجر فسيفساء على مستوي العالم، وهي تحتوي على مشهد تجلي السيد المسيح، والحجر به رسومات النبي إيليا والنبي موسي ورسوم القديسين، إلى جانب رفات القديسة كاترين في هيكل الكنيسة الرئيسية.
وتحتفظ كنيسة التجلي بأكبر عدد من الأيقونات القديمة التي ترجع إلى القرن السادس الميلادي حتي القرن العشرين، حيث تضم 2000 أيقونة.
مسارات الحج المقدس
وتعتبر زيارة كنيسة التجلي من مسارات الحج المقدس لطائفة الروم الأرثوذكس المسحيين، والتى تبدأ بزيارة جبل موسي صعودا إلى القمة، ثم النزول من الجبل، ثم زيارة دير سانت كاترين والشجرة المعلقة في الدير وبئر النبي موسي عليه السلام وكنيسة التجلي..
ويعتبر الحج في سانت كاترين نصف حجة، ولابد أن يقوم الحاج بزيارة كنيسة بيت لحم الموجودة في مدينة القدس بفلسطين، حيث يبدأ الحج من سانت كاترين أو العكس، لأن المدينتين من طقوس ومزارات الحج المقدس لطائفة الروم الأرثوذكس، من دول اليونان وروسيا وبيلا روسيا وأوكرانيا ودول الاتحاد الأوربي.
ويقع الدير أسفل جبل سيناء، فى منطقة جبلية وعرة المسالك منحتها الطبيعة جمال آخاذ مع طيب المناخ وجودة المياه العذبة، وإلى الغرب من الدير يوجد وادى الراحة، وللدير سور عظيم يحيط بعدة أبنية داخلية بعضها فوق بعض تصل أحياناً إلى أربعة طوابق تخترقها ممرات ودهاليز .
بناء الدير يشبه حصون القرون الوسطى، وسوره مشيد بأحجار الجرانيت وبه أبراج فى الأركان ويبلغ ارتفاع أسواره بين 12 و15 متراً، ويعود بناء الدير إلى القرن الرابع الميلادى عندما أمرت الإمبراطورة هيلانة أم الامبراطور قسطنطين فى عام 342 م ببناء دير يحوى كنيسة عرفت باسم كنيسة العذراء عند موقع الشجرة المقدسة أو العليقة الملتهبة، وفى القرن السادس الميلادى أمر الإمبراطور جوستنيان ببناء كنيسة فى نفس هذه البقعة عرفت باسم كنيسة التجلى.
فسيفساء العهد القديم
ورغم ما تعرضت له هذه الكنيسة فى مختلف العصور، فإن الجزء الأكبر من سقفها ظل محفوظاً، وتوجد بعض الكتابة القديمة على أجزاء منه من بينها: "لأجل تحية ملكنا التقى جوستنيان العظيم، أيها الرب الذى تجلى برؤيته فى هذا المكان احفظ وارحم عبدك "أتيين" وبانى هذا الدير "ايليسيوس" (اليشع) و"نونا" والأول هو أول من أشرف على الدير.. أما اليشع فهو المهندس المعمارى الذى شيده.. وربما كانت "نونا" زوجته.
وفى صدر الكنيسة حنية مستديرة حلى سقفها وجوانبها بالفسيفساء، وهى أهم ما فى الدير كله حيث أنها من أشهر الفسيفساء المسيحية فى العالم كله ولا يضارعها فى قيمتها الفنية إلا فسيفساء أياصوفيا فى استانبول
وتمثل هذه الفسيفساء مناظر من العهد القديم والعهد الجديد، والمنظر الرئيسى فيها يمثل السيد المسيح فى الوسط وعلى يمينه العذراء وعلى يساره موسى، بينما بطرس مستلقيا عند قدميه وعلى الجدار يوجد منظران يمثل أحدهما موسى يتلقى الشريعة فوق جبال سيناء، والثانى يمثل موسى وقد ركع أمام الشجرة .. وامتدت إليه من فوق لهيبها يد الله مشيرة إليه.
وتحت سقف هذه القبة والفسيفساء يوجد التابوت الذى وضعت داخله بقايا جثة القديسة كاترين داخل صندوقين من الفضة، فى أحدهما جمجمة القديسة وفوق الصندوق تاج من الذهب المرصع بالأحجار الكريمة ويحتوى الآخر على يدها اليسرى، وقد حليت بالخواتم الذهبية والفصوص الثمينة، وفى الناحية الأخرى صندوقان كبيران من الفضة على كل منهما صورة القديسة كاترين وداخلهما هدايا ثمينة مما أهداه الملوك والموسرون إلى الدير، وفى كل مكان بالكنيسة تنتشر الأيقونات الجميلة ذات الأهمية التاريخية الكبرى حيث تعرض نحو 150 أيقونة من مجموع حوالى 2000 أيقونة من بينها أيقونات نادرة المثيل صنعت فى القرن السادس، كما يعود جزء منها إلى أوائل العهد البيزنطى، وقسم إلى الفترة من القرن الحادى عشر حتى الخامس عشر.
الخليفة الآمر بأحكام الله
ويوجد أمام الكنيسة الرئيسية مسجد صغير بنى فى أيام الفاطميين تنفيذاً لرغبة الوزير أبو النصر أنوشطاقين فى عام 1106م حسبما هو مذكور على المنبر، وذلك فى عهد الخليفة الفاطمى الآمر بأحكام الله.
أما المكتبة، فيرجع الكثير من شهرة دير سانت كاترين إلى مكتبته الغنية بالمخطوطات وتقع فى الطبقة الثالثة من بناء قديم جنوب الكنيسة الكبرى، وتضم المكتبة إلى جانب المخطوطات النادرة عدداً من الوثائق والفرمانات التى أعطاها الخلفاء والحكام للدير أشهرها ما يقال بأنه وثيقة من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يعطى فيها الأمان للدير والرهبان والوثيقة على نحو ما يعتقد كتبها علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، وهي معروضة الآن بحجرة الأيقونات أو المعرض داخل الدير
ويبلغ عدد مخطوطات المكتبة نحو 6000 مخطوط نادر إضافة إلى نحو 2000 وثيقة وفرمان أعطاها الولاة للدير ومعظمها من العصر الفاطمى إلى جانب ذلك يضم الدير معصرة لاستخراج الزيت من الزيتون وبئر ماء وشجرة العليقة ومخزن قديم للطعام وحوله حديقة واسعة بها حجرة للجماجم تجمع رفات الرهبان وفى أعلى جبل موسى كنيسة صغيرة يصعد إليها الزائرون وعلى مقربة منها مسجد صغير.