حكم جديد للإدارية العليا
مجلس الدولة: النيابة الإدارية غير مختصة بتوقيع الجزاءات على الموظفين
أرسل مكتب رئيس مجلس الدولة تعميما على إدارات الفتوى ومفوضي الوزارات والمحافظات والمحاكم ذات الصلة المرفوع أمامها دعاوى أو طعون، في شأن مدى سلطة هيئة النيابة الإدارية في توقيع الجزاءات التأديبية على العاملين بالجهات الإدارية.
وجاء في التعميم: سبق وأن ثار خلف في الرأي في شأن مدى سلطة هيئة النيابة الإدارية في توقيع الجزاءات التأديبية على العاملين بالجهات الإدارية في مجال تطبيق نص المادة (197) من الدستور الصادر عام 2014، والمادة (60) من قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، وقد تناول إفتاء الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، وقضاء المحكمة الإدارية العليا هذا الموضع في العديد من الفتاوى والأحكام. وحرصاعلى الاستقرار على رأى جامع، حسماً لذلك الخلف في الرأي، فقد تم تناول الموضوع بالدراسة في ضوء نصي المادتين انفتي الذكر، وما صدر في شأن استظهار حكمها من فتاوى وأحكام قضائية، وبعد الرجوع للأعمال التحضيرية لكلا النصين، حيث كشفت هذه الدراسة عن الآتي:
سلطة توقيع جزاءات تأديبية
أولا: أن هيئة النيابة الإدارية في المجال الزمنى للعمل بالدساتير المصرية الصادرة قبل عام 2014 لم يكن لها سلطة توقيع جزاءات تأديبية على أي من العاملين بالجهات الإدارية أو غيرها - بخلاف العاملين بهيئة النيابة الإدارية ذاتها - أو مباشرة سلطات السلطة المختصة في هذه الجهات في توقيع الجزاءات التأديبية حيث وردت نصوص هذه الدساتير، وكذلك القوانين المنظمة لاختصاصات هيئة النيابة الإدارية، وغيرها من القوانين خلوا من تقرير ذلك.
ثانيا: أن أول نص عقد لهيئة النيابة الإدارية مباشرة السلطات المقررة لجهة الإدارة في توقيع الجزاءات التأديبية، هو نص الفقرة الأولى من المادة (۱۹۷) من الدستور الصادر عام ۲۰۱4 التي قضت بأن تتولى هيئة النيابة الإدارية التحقيق في المخالفات الإدارية والمالية، كما تتولى التحقيق في المخالفات التي تحال إليها ويكون لها بالنسبة إلى هذه المخالفات " المخالفات التي تحال إليها " السلطات المقررة لجهة الإدارة في توقيع الجزاءات التأديبية ويكون الطعن في قراراتها أمام المحكمة التأديبية المختصة بمجلس الدولة ، وذلك كله وفقاً لما ينظمه القانون.
ثالثا: أنه تنفيذاً من المشرع لحكم الفقرة الأولى من المادة (197) من الدستور، إعمالا للتكليف الدستورى، صدر قانون الخدمة المدنية (السابق) بموجب القانون رقم 18 لسنة 2015، ومن بعده قانون الخدمة المدنية (الحالي) بموجب القانون رقم 1 لسنة 2016 ، حيث تضمنا في المادتين (۵۷)، و(60) منهما - على الترتيب - نصين متماثلين في شأن تنظيم سلطة النيابة الإدارية في التحقيق في المخالفات الإدارية والمالية، وقد عقد هذان النصان في الفقرة الأولى منهما لهيئة النيابة الإدارية، دون غيرها، الاختصاص الحصري بالتحقيق مع شاغلي الوظائف القيادية بالجهات الإدارية الخاضعة لأحكام القانونين المذكورين، أياً كانت طبيعة المخالفة محل التحقيق، وكذا الاختصاص بالتحقيق مع موظفي هذه الجهات في المخالفات المالية التي يترتب عليها ضياع حق من الحقوق المالية للدولة أو المساس به.
اختصاص هيئة النيابة الإدارية
وأضافت الفقرة الثانية من المادتين (57) ، و (60) المشار إليهما إلى الاختصاص الحصري المعقود لهيئة النيابة الإدارية، دون غيرها، بموجب الفقرة الأولى منهما ، اختصاصاً آخر، وهو التحقيق في المخالفات الأخرى - غير المخاطبة بحكم الفقرة الأولى - التي تحال إليها ، ويكون لهيئة النيابة الإدارية في هذه المخالفات السلطات المقررة للسلطة المختصة بمفهومها الوارد بالمادة (۲) من قانونى الخدمة المدنية المذكورين - وهي الوزير أو المحافظ أو رئيس مجلس إدارة الهيئة بحسب الأحوال - في توقيع الجزاءات أو الحفظ.
وترتيبا على ما تقدم، فقد خلصت تلك الدراسة إلى الأتي:
1- أن تاريخ بدء انعقاد الاختصاص لهيئة النيابة الإدارية بمباشرة السلطات المقررة للسلطة المختصة في الجهات الإدارية في توقيع الجزاءات التأديبية أو الحفظ، في الحدود المقررة قانوناً هو تاريخ بدء العمل بالدستور الصادر عام 2014.
2- أن سلطة هيئة النيابة الإدارية في مباشرة السلطات المقررة للسلطة المختصة في توقيع الجزاءات التأديبية أو الحفظ يقتصر طبقاً لحكم المادة (۱۹۷) من الدستور، والمادتين (57) ، و (60) من قانوني الخدمة المدنية السالف ذكرهما على المخالفات الاخرى " بالمعنى السابق بيانه التي تحال إليها اختياراً من السلطة المختصة بالجهة الإدارية للتحقيق فيها، ومن ثم يخرج عن ذلك المخالفات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادتين (57) ، و (60) سالفتي الذكر، والتي تختص النيابة الإدارية، دون غيرها بالتحقيق فيها، كما يخرج عن ذلك ما يجرى إحالته إلى هيئة النيابة الادارية من " المخالفات الأخرى " للتحقيق فيها من غير السلطة المختصة بالجهة الادارية.
قرارات توقيع جزاءات تأديبية
وبناء عليه، فإن ما عساه أن تصدره هيئة النيابة الإدارية من قرارات بتوقيع جزاءات تأديبية أو الحفظ بناء على التحقيقات التي تباشرها مع شاغلي وظائف الإدارة العليا، أو التحقيقات التي تباشرها في المخالفات المالية التي يترتب عليها ضياع حق من حقوق المالية للدولة او المساس به هي قرارات صادرة من غير مختص أيا كان مصدرها بالهيئة، وكذلك الحال بالنسبة إلى ما تصدره من قرارات تأديبية في " المخالفات الاخرى " التى يتم إحالتها إليها من غير السلطة المختصة للجهة الادارية للتحقيق فيها.
3- أن مباشرة هيئة النيابة الإدارية السلطات المقررة للسلطة المختصة في توقيع الجزاءات التأديبية أو الحفظ، إعمالاً لحكم الفقرة الثانية من المادتين (57) ، و (60) من قانونى الخدمة المدنية السالف ذكرهما - بالنسبة إلى المخالفات التي تحال إليها اختياراً يجب أن يتم من خلال السيد المستشار رئيس هيئة النيابة الإدارية، وحده دون غيره، بحسبانه المنوط به قانوناً تمثيل الهيئة، في ظل غياب النص الذي يجيز له التفويض فى هذا الاختصاص التأديبي، أو يجيز مشاركة غيره له في ممارسته، وحال مخالفة ذلك تكون القرارات الصادرة بالجزاء التأديبي أو الحفظ صادرة من غير مختص .
4- أن المخالفات محل التحقيقات التي تباشرها هيئة النيابة الإدارية بناء على الشكاوى التي تقدم لها من الأفراد والهيئات - ويثبت الفحص جديتها - أو بناء على الشكاوى التي تحال إليها من أي جهة بخلاف الجهة الإدارية المختصة، وذلك إعمالاً لحكم المادة (۳) من القانون رقم ۱۱۷ لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية في الإقليم المصرى، لا تعد من " المخالفات الأخرى التي تحال إليها " في تطبيق حكم الفقرة الثانية من المادتين (57)، و(60) من قانونى الخدمة المدنية السالف ذكرهما، ومن ثم لا يكون لهيئة النيابة الإدارية مباشرة سلطات السلطة المختصة بالجهة الإدارية في توقيع الجزاءات التأديبية أو الحفظ فيها، وبالتالي فإن ما يتم إصداره من قرارات بالمخالفة لذلك، يكون صادرًا من غير مختص.
5- أن ما عساه أن تصدره هيئة النيابة الإدارية لدى مباشرة السلطات المقررة للسلطة المختصة من قرارات بتوقيع الجزاءات التأديبية في الحدود السابق بيانها، هي محض قرارات إدارية، يسرى عليها ما يسرى على القرارات التأديبية الصادرة من السلطة المختصة بالجهة الإدارية، سواء فيما يتعلق بأحكام التظلم الوجوبي منها طبقاً لحكم المادة (۱۲/ب) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة ۱۹۷۲، والقرارات الصادرة تنفيذا لها ، أو باللجوء في شأنها إلى لجنة التوفيق المختصة طبقاً لأحكام القانون رقم ۷ لسنة ۲۰۰۰ بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفاً فيها ، وذلك توطئة للطعن عليها أمام المحكمة التأديبية المختصة بمجلس الدولة.
لذلك يراعى ما تقدم، عند نظر التظلمات من الجزاءات التأديبية المقدمة لمفوضى الدولة لدى الوزارات أو المحافظات، وكذلك عند نظر الدعاوى أو الطعون المرفوعة في هذا الشأن.
حكم محكمة القضاء الادارى
وكانت محكمة القضاء الادارى الدائرة الرابعة أصدرت حكمًا بشأن عدم اختصاص هيئة النيابة الإدارية بتوقيع الجزاءات على الموظفين والإداريين شاغلي الوظائف في الدولة. وقضت برفض طعن على حكم صادر لصالح موظفة بالتأمين الصحى، تم توقيع جزاء عليها من قِبل هيئة النيابة الادارية وقامت المحكمة بإلغاؤه لعدم اختصاصها بتوقيع هذا الجزاء.
وأكدت المحكمة في حيثيات حكمها بأن المادة 197 من الدستور نصت على ان النيابة الإدارية هيئة قضائية مستقلة تتولى التحقيق في المخالفات الادارية والمالية التى يفعلها شاغلي الوظائف بالدولة، وكذا يكون لها الحق في توقيع الجزاءات على العامل اى نفس سلطة الجهة الادارية ، ويكون الطعن على قراراتها امام المحكة الادارية العليا ، ولكن لا يمكن تطبيق هذه المادة الا بعد استجابه المُشرع وتدخله لإفراغ نص تشريعي محدد ومنضبط ينظم هذه المسالة ، على ان يتضمن هذا القانون من له السلطة في توقيع الجزاءات من اعضاء النيابة الادارية ، وتحديد الجزاءات التأديبية وأنواعها وحدودها الدنيا والقصوى .
هيئة النيابة الإدارية
واضافت المحكمة بأنه يتعين على هيئة النيابة الإدارية الالتزام بما حددته التشريعات المعمول بها حاليًا وخصوصًا أحكام القانون رقم 117 من اختصاصات الهيئة في مجال التحقيق ، وعدم إصدار اى قرارت وجزاءات ، او اى قرار يمس توقيع الجزاءات التأديبية على العامل او الموظف من قريب او بعيد ، لعدم اختصاصها بذلك ، لحين صدور تشريع ينظم ذلك ، كما حدد قانون الخدمة المدنية اختصاصها فقط ودون غيرها في التحقيق مع شاغلي الوظائف في المخالفات المالية والانتهاكات التى قد تضر بمصلحة العمل ، ويترتب عليها ضياع الحقوق المالية للمؤسسات والهيئات
وتابعت الحيثيات بأن النيابة الإدارية مخول لها سلطة التحقيق في المخالفات الادارية والمالية المنسوبة للموظفين والعاملين ، محل اختصاصها ، ثم تحيل هذه التحقيقات الى "الجهة الادارية " المختصة بالاختصاص التأديبي في المخالفات كما نص القانون ، ويكون حكم الجهة الادارية او قرارها بناءًا على تحقيقات النيابة الإدارية المحالة اليها ، والتصرف يكون في ضوء السلطة التقديرية المنسوبة لها في هذا الشأن ، فإما ان توقع الجزاء المناسب مع حجم المخالفة ، أو تحفظ الاوراق ، اما ان تطلب من هيئة النيابة الإدارية احالة الموظف الى المحكمة التأديبية المختصه بإصدار الاحكام الجزائية الرادعة.