و الأخيرة

رئيس التحرير
محمود الضبع

وكر السلطة والمخابرات

المخابرات الإيرانية في سوريا المتهم الرئيسي بإعتقال وإغتيال لونا الشبل

موقع الصفحة الأولى

أثار حادث مقتل الإعلامية ومستشارة رئيس سوريا بشار الأسد لونا الشبل والملقبة بالسيدة الثانية والمستشارة المدللة حالة من الشك والريبة.. وتعددت الروايات والأحداث المصاحبة لمقتلها ومن يقف وراء الحادث؟
الرواية الرسمية صورت الوفاة على أنها حادث سير عادي أدى إلى إصابة المستشارة إصابة شديدة نقلت على إثرها إلى مركز طبي يعفور ليتبين تعرضها لنزيف حاد في الرأس مما استدعى إدخالها العناية المشددة لتتلقى العلاج على يد فريق طبي مختص فتم إحالتها لمستشفى الشامي أحد أشهر مشافي دمشق.
وأوضحت وكالة الأنباء الرسمية "سانا" نقلا عن المكتب السياسي والإعلامي في الرئاسة السورية أن الحادث أدى إلى انحراف السيارة التي كانت تقلها وخروجها عن المسار، على طريق يعفور المؤدي لدمشق. 
إلا أن مصادر صحفية محلية ذكرت أن الحادث نتيجة اصطدام سيارة مصفحة مجهزة بدعامة حديدية في المقدمة بسيارة "لونا الشبل" من الخلف مما أدى إلى انحراف السيارة وخروجها عن المسار ودفعها لعرض الطريق نتيجة لعدة صدمات مما عرضها للإصابة البالغة ونقلها إلى مستوصف الصبورة في منطقة يعفور قبل نقلها إلى العناية المشددة في مستشفى الشامي بدمشق، الذي شهد علاج ووفاة الرئيس السوري حافظ الأسد نتيجة أزمة قلبية في العاشر من يونيو عام 2000، ونجله البكر باسل الذي كان مرشحا لخلافة والده وتوفي وهو في بداية الثلاثينيات من عمره في حادث سيارة قرب مطار دمشق الدولي في 21 يناير عام 1994، وقد تضاربت الأنباء واختلفت الروايات حول وفاته. وقال البعض أنه تم اغتياله.. واستقبل ذات المشفى العميد ماهر حافظ الأسد قائد الفرقة الرابعة واليد الضاربة لبشار الأسد منذ اندلاع الثورة السورية إثر تفجير وقع صباح الأربعاء 18 يوليو 2012 بمبنى الأمن القومي بدمشق أدى لإصابته بإصابات بالغة بالرأس.
 

 التشييع الصامت بعيداً عن العائلة 
وما يؤكد تورط النظام السوري  أو غض الطرف عن الحادث للتستر على الفاعل وفقا لرؤية المنظمات الحقوقية والمصادر الصحفية أن جنازة المستشارة المدللة والملقبة بسيدة سوريا الثانية تمت في صمت على عكس ما هو متبع لدى وفاة مسؤولين ومقرّبين من النظام السوري، فقد تم التشييع في غياب أي مشاركة لشخصية رسمية، ولم ترسل الرئاسة الورود كالعادة في مثل هذه المناسبات الرسمية، ولم يبثّ التلفزيون الرسمي لقطات للجنازة، على عكس العادة لدى وفاة مسؤولين ومقرّبين من النظام السوري، ولم ترتد المذيعات ملابس سوداء أو أيً من علامات الحداد على مصرع زميلتهم.
اللافت أيضا وفقا لما ذكرته مصادر صحفية سورية لـ "الصفحة الأولى" أن الصفحات المقرّبة من النظام السوري نشرت النعي الخاص بـ "لونا الشبل" محددة مدة العزاء بساعتين فقط وليوم واحد، ودون تحديد ما إذا كان التشييع سيكون بموكب رسمي على غرار الإجراءات المتّبعة عند وفاة مسؤولي النظام على رأس عملهم، أو سيجري دون مراسم رسمية.
وكانت رئاسة الجمهورية السورية قد أصدرت بيانا تنعي فيه المستشارة لونا الشبل التي توفيت إثر تعرضها لحادث سير أليم.. وأوضح البيان أن لونا الشبل عملت مديرة للمكتب السياسي والإعلامي برئاسة الجمهورية ثم مستشارة خاصة في الرئاسة وختم البيان بتقديم خالص العزاء لعائلتها وذويها.
وأرجعت المصادر دفن "لونا الشبل" في مقبرة الدحداح بشارع بغداد بالعاصمة دمشق وإقامة العزاء بصالة المزة بدمشق أيضاً إلى رفض عائلتها دفنها أو إقامة مجلس عزاء في مسقط رأسها في قرية عرى بريف السويداء الغربي، بسبب خلافات مع عائلتها إثر تهديدها لشقيقها من أبيها أسعد الشبل لانضمامه للمظاهرات المناهضة للنظام السوري والتي اندلعت في مارس 2011، مما جعل والدها العميد المتقاعد عادل أسعد الشبل أن يتبرأ منها.          
 

 النفوذ الإيراني في سوريا 
 

جاء حادث مقتل أو اغتيال المستشارة المدللة للرئيس السوري بشار الأسد والملقبة بسيدة سوريا الثانية بعد استبعادها من اللجنة المركزية لحزب البعث في الرابع من مايو 2024 والذي شهد استبعاد زوجها عمار ساعاتي (رئيس سابق لاتحاد الطلبة لمدة 17 عاما وعضو سابق في مجلس الشعب)، وشخصيات تعدّ من الدائرة الضيقة لنظام الأسد، على رأسها اللواء علي مملوك (رئيس مكتب الأمن القومي السابق، ونائب رئيس النظام السوري للشؤون الأمنية حالياً)، وبثينة شعبان (مستشارة بشار الأسد أيضاً)، فضلاً عن تحجيم دور "لونا الشبل"  المستشارة الإعلامية الخاصة للرئيس الأسد في القصر الجمهوري منذ شهر يونيو الماضي أي قبل شهر من الحادث، بسبب انزعاج الإيرانيين من تسريبها محاضر جلسات بين بشار الأسد والقيادة السورية والإيرانيين لروسيا.. 
وقبل أسبوع من الحادث تم توقيف شقيقها العميد بالجيش العربي السوري ملهم الشبل وصدور قرار بمنع زوجها عمار ساعاتي من السفر، وعزله من كافة المناصب التي يتولاها. وذلك وفقا لمصادر صحفية لبنانية وسورية لـ "الصفحة الأولى" والتي أكدت أن لونا وساعاتي كانا يرتبان لمغادرة سوريا قبل الحادث بالسفر إلى سوتشي في روسيا، حيث تمتلك الشبل منتجعاً، على أن يسافر هو أولاً وتلحق هي به، إلا أنه مُنع من السفر قبل أسبوع من الحادث.. علما بأن ساعاتي مقرب من ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري، وله الفضل في فكرة إنشاء ميليشيا "كتائب البعث"، وهي مجموعة من الطلاب المتطوعين المقاتلين الذين كانوا يرافقون قوات النظام السوري.
ويرجح المرصد السوري لحقوق الإنسان أن لونا الشبل قد تم اغتيالها في حادث مدبر بعد احتجاز شقيقها ومنع زوجها من السفر بناء على معلومات للاستخبارات الإيرانية في سوريا أظهرت أن الخروقات والتسريبات الأمنية التي أدت إلى اغتيال قادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا وكذلك بعض كوادر حزب الله في سوريا ولبنان، تحظى بغطاء سياسي وأمني على مستوى عالٍ، ولابد أن يكون الأسد على علم، بل واتهم تقرير المخابرات الإيرانية وفقا لتحقيقاته الرئيس السوري بفتح قنوات مع تل أبيب للتخلص من الهيمنة الإيرانية في سوريا..
وهذا، ما أكده تقرير لصحيفة الجريدة الإيرانية في إبريل من العام الجاري، أن إيران وجهت اتهامات لسلطة الأسد بالضلوع في عمليات الاغتيال التي تقوم بها إسرائيل ضد قادتها، ونقلت الصحيفة عن مصدر في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أن الأجهزة الأمنية الإيرانية رفعت تقريرا للمجلس بشأن احتمال ضلوع السلطات السورية في اغتيال كبار قادتها. 
ودعم تلك الفرضية تقرير نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية مؤخرا، يكشف موافقة بشار الأسد على عدة تنازلات قالت الصحيفة إنها أغضبت إيران منها تجاهله لهجمات إسرائيل على أهداف إيرانية داخل الأراضي السورية، والحياد المتعمد في حرب الإبادة الجماعية بقطاع غزة لكسب ود الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية.
وكانت المخابرات الإيرانية بسوريا قد فتحت تحقيقا منفصلا وبمشاركة حزب الله اللبناني عقب الهجوم الإسرائيلي على مبنى القنصلية الإيرانية بحي المزة في دمشق أول إبريل من العام الجاري (2024) وأسفر عن مقتل 16 شخصا من بينهم العميد محمد رضا زاهدي أحد قادة فيلق القدس، ومساعده العميد محمد هادي حاج رحيمي، و5 مستشارين عسكريين بالحرس الثوري و6 عسكريين إيرانيين وأحد القادة العسكريين بحزب الله ومدنيان سوريان. وذلك بعدما اتهمت طهران المخابرات السورية بعرقلة التحقيق في حادث اغتيال المستشار رضا موسوي المسؤول عن تنسيق التحالف العسكري بين إيران وسوريا، إثر غارة جوية نفذتها إسرائيل على منزله بمنطقة السيدة زينب بريف دمشق، في الـ 25 من ديسمبر العام 2023، بعد 30 عاما قضاها في مهمته بسوريا والتي بدأت عام 1993.
 

 النظام السوري ينفذ أوامر طهران
 

وفي ذلك السياق أوضحت مصادر خاصة بالصفحة الأولى أن الأجهزة الأمنية السورية قامت بعد دعوات إيرانية بوجود شبكة تجسس تعمل لصالح الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ودول أخرى تحت قيادة لونا الشبل ،باعتقال أربعة ضباط بالجيش العربي السوري وهم: العميد ملهم الشبل شقيق لونا وهو شخصية نافذة بالجيش، والعميد صافي ديب، والعقيد منهل سليمان والمقدم وهيب رجوب، وهم من ضباط الحرس الجمهوري، وتجريد زوجها عمار ساعاتي من كافة مناصبه وصدور قرار بمنعه من السفر وفقا لتأكيدات استخبارات فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في سوريا، والذي أتهمه مدير مركز لندن للإستراتيجية الإعلامية "المعارض للنظام السوري" أحمد رمضان في منشوره على موقع "إكس" باعتقال لونا الشبل في 20  مايو 2024، بتهمة ترؤس شبكة تجسس لصالح إسرائيل، وإخضاعها للتحقيق بمركز أمني للحرس الثوري في منطقة السيدة زينب بدمشق، دون السماح لأي مسؤول في السلطة بمقابلتها أو الاطلاع على اعترافاتها.
ووفقا لمنشور مدير مركز لندن فقد تم نقل "لونا الشبل" لمقر تابع للحرس الثوري في كفر سوسة لاستكمال التحقيق تحت إشراف مسؤول في استخبارات فيلق القدس وهو العقيد حيدر غلام جلالي، واللواء كفاح ملحم من مكتب الأمن الوطني السوري والمسؤول حصرياً عن التنسيق مع الحرس الثوري وفيلق قدس.
وفجر مدير مركز لندن أحمد رمضان مفاجئة أقوى من غارات إسرائيل ألا وهي أن المرشد الإيراني علي خامنئي استدعى الرئيس السوري في الثلثين من مايو 2024 بعد اعتقال مخابرات فيلق القدس لونا الشبل وأخبره يكشوك طهران أن تكون تصرفات لونا بناء على تكليف منه وليس مبادرة شخصية.. وأبلغ خامنئي الأسد - وفقا لرواية مدير مركز لندن- رسالة ربما تحمل التهديد وهي: "إذا قررت اللعب معنا، فنحن من أبقى نظامك ومن يمكنه إزالته".
ووفقا للروايات المتعددة الخاصة بإيران فإن فيلق القدس قام باغتيال لونا الشبل وتم اختلاق حادث السيارة، خاصة وأن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على سائق السيارة المصفحة التي صدمت سيارة لونا دون ذكر أية تفاصيل عن السيارة التي صدمتها ونتائج التحقيقات في الحادث.. كما تم التحفظ على سائق سياراتها ومرافقها ولا يعرف مصيرهما.
** الصراع الروسي الإيراني في قصر الأسد
ومن بين الأسباب التي تدفع إيران للتخلص من لونا الشبل انحيازها وزوجها عمار ساعاتي لروسيا وقيادة لوبي داخل القصر الرئاسي والجيش العربي السوري موالي لروسيا فيما يقود ماهر الأسد شقيق الرئيس بشار لوبي موازي داعم لإيران.. ولا يخفى داخل سوريا وجود صراع نفوذ إيراني روسي وصل إلى حد أتهام طهران موسكو بأنها لم تبدِ أي اهتمام تجاه استهداف إسرائيل للمصالح الإيرانية في سوريا، ومن بين تهم التجسس الموجهة لمستشارة الرئيس السوري وشقيقها وزوجها ورفاقهم التجسس لصالح روسيا، وتسريب معلومات وتفاصيل دقيقة تخص المحور الإيراني وطهران لموسكو، وهو ما أغضب الإيرانيين.    
وفي تلك الأثناء انتشرت صورة شهيرة للشبل تؤكد تمتعها بعلاقات قوية مع الإدارة الروسية عندما كانت تتحدث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسكرتيره الصحفي ديمتري بيسكوف في دمشق بينما يقف بشار الأسد وينظر إليهم من بعيد.
وتأكيدا لفرضية صراع الأجنحة لصالح النفوذ الإيراني والروسي أشارت مصادر صحفية إلى أن طريق يعفور يقع ضمن نطاق المناطق التي تسيطر عليها قوات الجيش السوري التابعة لماهر الأسد.
 

 صراع البيزنس وغيرة النساء  
 

وضمن إطار المؤامرة وصراع النفوذ في قصر الشعب "قصر الرئاسة السورية" يبدو في الأفق صراع البيزنس بين لونا وزوجها عمار ساعاتي من جهة وزوجة الرئيس السوري أسماء الأسد وشقيقه ماهر من جهة ثانية.. لذلك تذهب التكهنات إلى أن إزاحة لونا قد يكون ضمن خطة النظام لإعادة هيكلة الملف الاقتصادي بإعادة توزيع المصالح والامتيازات على وجوه أكثر ولاءً له..  ووفقا لتقارير إعلامية محلية ودولية تعتبر أسماء الأسد هي المتحكم والمهيمن على الاقتصاد السوري من خلال ما يعرف بالمكتب السري ويضم 6 أشخاص مقربين من النظام من بينهم لونا الشبل التي بدأت تمارس أعمالا تجارية كبيرة بعيدة كل البعد عن جوقة أسماء الأسد التي أسست "الأمانة السورية للتنمية" عام 2007، ومن خلالها وبالتعاون مع ماهر الأسد أطاحت بجميع رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال غير الموالين لزوجها، ومن بين هؤلاء رامي مخلوف أبن خال الرئيس بشار الأسد الذي كان يسيطر على نصف اقتصاد سوريا، وأجبرته على تسليم أصوله داخل البلاد، وسيطرت على مؤسساته الخيرية مما سمح لها بتوسيع سيطرتها على قطاع المساعدات الإنسانية في البلاد، وابتكار أساليب جديدة تسمح باستثمار الحرب اقتصادياً بسيطرتها على أموال المساعدات الدولية إلى سوريا، كما قامت بتفكيك طبقة التجار التقليدية في سوريا.
ومن هنا بدت لونا الشبل ضرة أسماء الأسد سياسياً واقتصادياً وعاطفياً بعد تسريب رسائل إلكترونية للرئيس بشار الأسد في مارس 2012 مع زوجته ووالدها وعدد من النساء كانت لونا من بينهن وحملت هذه الرسائل كلمات حميمة إلى استشارات إعلامية وكانت هذه الرسائل سببا في طلاق لونا من زوجها الأول اللبناني ويحمل الجنسية الفرنسية سامي كليب.. فضلا عن إصابة أسماء بمرض سرطان الدم والاقتراب الشديد بين المستشارة الإعلامية لونا الشبل والرئيس السوري بشار الأسد.       
ورغم كل ذلك تبقى الفرضية الإيرانية هي الأقرب لدى الكثيرين من المتابعين للملف السوري في واقعة مصرع أو اغتيال لونا الشبل نظراً للأحداث التي وقعت قبل الحادث والتي لازالت دائرة.
 

تم نسخ الرابط