سلاح للتضامن والاحتجاج
المقاطعة الاقتصادية من تحريم الجبن الرومي خلال الحروب الصليبية إلى خسائر ماكدونالدز
المقاطعة الاقتصادية للبضائع والسلع الغربية ليست سلوكا عصريا للتضامن مع الشعوب العربية والاحتجاج على الاحتلال الأجنبي للدول الإسلامية، وإنما تعود إلى عصور طويلة مضت من الصراع بين الشرق والغرب.
ورغم أنه من الصعب تحديد تاريخ أول وقائع المقاطعة الاقتصادية في العالم، لكن قصص الأنباء مليئة بصور المقاطعة التى كان يفرضها الوثنيون على الأنبياء والمؤمنين، ولعل أبرزها المقاطعة الاقتصادية التي فرضتها قريش على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وحصاره في شعب أبى طالب بمكة.
ورغم ذلك فإن المقاطعة الاقتصادية فرضت نفسها بقوة في التاريخ الإسلامي منذ الحروب الصليبية عندما صدرت الفتاوي بتحريم شراء المسلمين لـ الجبن الرومي، وظلت إحدى الأدوات الفاعلة فى عصرنا الحديث حيث أنشأت جامعة الدول العربية جهاز المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل عام 1951، وما زال هذا الجهاز يعمل ضمن أجهزة الجامعة الإدارية حتى الآن.
تحريم الجبن الرومي
كانت أول هذه الفتاوى من الإمام أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشى، الذى كان يقيم فى مدينة الإسكندرية، لمواجهة الغزو الصليبى لبلاد المسلمين،.
وخلال إقامته بمدينة الإسكندرية انتقد الطرطوشي بعض التصرفات المالية لقاضي الإسكندرية ابن حديد ومجافاتها لقواعد الشرع، والحياة المترفة التي كان يحياها، وأشاع الناس نقد الطرطوشي وتناقلوه بينهم، ما أساء إلى سمعة القاضي، كما أفتى الطرطوشي بتحريم الجبن الذي يأتي به الروم إلى الإسكندرية، والتي كان يباركها القاضي .
استند الطرطوشى في فتوى تحريم الجبن الرومي والتي كان يشتريها الناس إلى عدة أسس، منها ما هو اقتصادي، وديني، وصحي.
أما البعد الاقتصادي الذي تبناه الطرطوشى في تحريم استيراد الجبن الرومي فهو المقاطعة الاقتصادية للدول الصليبية عن طريق رفض صادرتها إلى الشرق الإسلامي، خاصة من أهل الحرب دون غيرهم، وأعلى من مشروعية الضرر الاقتصادي للعدو.
واعتبر الطرطوشى استيراد الجبن الرومي من الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها؛ لذا فإن المسلمين ليسوا بحاجة إلى المواد والسلع الواردة من البلاد التى تشن الحرب عليهم.
وفيما يتعلق بالشق الصحي والديني، فقد استند الطرطوشى في فتواه إلى شهادات التجار الذين أكدوا له أن الروم يخلطون هذه الجبن بشحوم الخنازير.
هكذا كانت المقاطعة الاقتصادية للخصوم ومناهضة التطبيع التجاري مع الاعداء سلاحا فى يد العرب والمسلمين عبر التاريخ، فقد اتخذ بعض السلاطين أيضا قرارات بمنع تصدير بعض السلع إلى الممالك الأوروبية.
وبحسب كتاب السلوك للمقريزي، ففي سنة 1435 صدر قرار بمنع التجار بالإسكندرية من بيع البهار والتوابل إلى الفرنج .
وفي سنة 1709 ميلادية صدر في القاهرة أمرٌ بألا يُباع شيء من قسم الحيوانات والقهوة إلى جنس الإفرنج، طبقا للجبرتي في كتابه عجائب الآثار.
خسائر شركة ماكدونالدز
أما عن أنجح عمليات المقاطعة الاقتصادية فى العصر الحديث، فهى التى تمت مع شركة ماكدونالدز بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من اكتوبر الماضى، بعد إعلان الشركة عن التبرع بوجبات مجانية لجنود جيش الاحتلال.
مقاطعة الشركة تسببت فى خسارة ماكدونالدز نحو 9 مليارات دولار من قيمتها خلال ساعات بعد إعلان مديرها المالي إيان بوردن عن استمرار تأثير المقاطعة في المنطقة العربية والعالم الإسلامي على المبيعات خلال عام 2024.
وقال بوردن في مؤتمر "يو بي إس" العالمي للمستهلكين والتجزئة إن المبيعات المماثلة للربع الأول في قطاع الأسواق التنموية الدولية المرخصة لشركة ماكدونالدز ستكون أقل من فترة الثلاثة أشهر السابقة.
الخسارات المتتالية للشركة صاحبة سلسلة المطاعم الأكثر انتشارا في العالم، واجهت متاعب كبيرة مع استمرار حملات المقاطعة ضدها.
وفي محاولة من إدارة الشركة لوقف نزيف الخسائر المستمرة منذ عدة أشهر وتحجيم المقاطعة المفروضة، أعلنت بعض فروع ماكدونالدز في الدول العربية عن تبرعات لإغاثة قطاع غزة، وهو ما لم يلتفت إليه أحد.
ومع استمرار حملة المقاطعة ضد ماكدونالدز، أضطرت الشركة للإعلان عن شراء جميع مطاعمها فى إسرائيل .
وقالت الشركة إنها توصلت إلى اتفاق مع صاحب الامتياز الإسرائيلي ألونيال لإعادة 225 منفذا في جميع أنحاء البلاد.
وتعبيرا عن اليأس قال رئيس الشركة مؤخرا، انه طالما استمرت هذه الحرب، لا نتوقع أن نرى أي تحسن في هذه الأسواق.