40 ألف مائدة استضافت 15 مليون صائم
15 مليار جنيه أنفقها المسلمون والمسيحيون على موائد رمضان
ساعات ويرحل عنا شهر رمضان بعد أن مر علينا كنسمة، الذي كان من مظاهره موائد الرحمن الممدودة بطول شوارع مصر من الإسكندرية حتى أسوان.. شارك في إعدادها رجال أعمال مسيحيين وكنائس.. وتميزت بعض موائد هذا العام بالتضامن مع غزة.
وقدرت دراسات صادرة عن جامعة الأزهر وبعض مراكز الدراسات الاقتصادية الاجتماعية بأن عددها يتجاوز 40 ألف مائدة بجميع المحافظات، واستفاد منها هذا العام (2024) حوالي 15 مليون شخص يوميا بتكلفة تقدر بنحو 10 مليارات جنيه، في حين أن هذه الموائد استوعبت العام الماضي (2023) حوالي 10 ملايين شخص في اليوم بتكلفة بلغت 5 مليارات جنيه، وفي عام 2019 تراوحت تكاليفها ما بين ثلاثة إلى خمس مليارات جنيه.. وفي الأعوام السابقة كانت موائد الرحمن الرمضانية يستفيد منها يوميا أكثر من 3 ملايين مواطن وقدرت تكاليفها بأكثر من مليار جنيه.
وموائد الرحمن يقوم على تنظيمها أكثر من 10 آلاف مؤسسة وجميعة خيرية ورجال أعمال وتجار وأصحاب محلات وفنانين، ارتفعت تكاليفها لارتفاع أسعار اللحوم والدواجن والأرز والخضروات والفواكه، وزاد عدد روادها نظرا للظروف الاقتصادية التي تمر بها الأسر المصرية نتيجة عدم التوازن بين المرتبات والأسعار التي شهدت منذ العام الماضي ارتفاعا غير مسبوق.. فوفقا لدراسات اقتصادية فإن تكلفة إفطار يوم واحد لأسرة مكونة من 5 أفراد مع ارتفاع الأسعار تصل لنحو 250 جنيها أي أن الأسرة تحتاج 7500 جنيه للإفطار فقط خلال شهر رمضان.
ومن أشهر موائد الرحمن موائد الأشراف المهدية المنتشرة في محافظات قنا وسوهاج ومركز منفلوط بأسيوط وبلدتي سجين الكوم وقلين بمحافظة الغربية وفي محافظة الشرقية بقريتي العزيزية وبني عامر ومدينة الزقازيق، وفي القاهرة بحي مصر الجديدة ومساكن العبور بشارع صلاح سالم وساحة استاد القاهرة وهي موائد تستضيف يوميا أكثر 20 ألف صائم يوميا. بخلاف الوجبات التي توزع على المنازل.
كما اشتهرت بعض المساجد في مصر بموائدها، منها مائدة الجامع الأزهر التي تقدم يوميا 5 آلاف وجبة للطلاب الوافدين، ومساجد الفتح بشارع رمسيس، ومصطفى محمود بحي المهندسين، ومسجد السيد البدوي في طنطا، ومسجد عبد الرحيم القناوي في قنا.. ومائدة الساحة الرضوانية بالأقصر التي تحتوي على ثلاث سفرات طول الواحدة منها 30 مترا.. هذا بخلاف الموائد المنتشرة بالمحافظات..
موائد التضامن مع غزة
ولم يغيب عن المصريين العدوان الإسرائيلي على غزة التي يتعرض شعبها للجوع كسلاح من أسلحة الحرب على الشعب الفلسطيني، فقد نظم مجلس القبائل والعائلات المصرية بالعريش أول أيام شهر إبريل الجاري (2024) أطول مائدة إفطار امتدت بطول 8 كيلو مترات بدون طعام، واقتصرت على المياه والتمر تضامنا مع أهالي غزة التي أرسل لهم المجلس مئة ألف وجبة إفطار..
أما مائدة حي المطرية التي تعد أكبر وأشهر مائدة رمضانية شعبية في مصر وتتسع لعشرة آلاف شخص، والتي امتدت بطول 1000 متر، وحضرها وزراء الشباب والرياضة الدكتور أشرف صبحي ووزيرة الهجرة سها الجندي ووزيرة الهجرة السابقة نبيلة مكرم.
المائدة التي امتدت بطول 570 مائدة لم تنس الفلسطينيين في قطاع غزة، فقد جهزت صواني وضع عليها صور الشهداء وعلم فلسطين الذي تم تزيين الشوارع به وهتف أهالي المطرية باسم فلسطين وتحية للمقاومة في غزة في رسالة تؤكد للعالم أن موقف مصر الرسّمي والشّعبي واحد وإن القضية الفلسطينية قضية كل المصريين.
موائد الوحدة الوطنية رمز المحبة
ولا يقتصر دور الإخوة المسيحيين على تزيين الشوارع التي تقع فيه الكنائس بفانوس رمضان وزينته، ولكنهم أيضا ينافسون المسلمين في إقامة موائد الرحمن.. أو يشاركون في تنظيمها..
في منطقة الزمالك بالقاهرة نظمت إبروشية الكنيسة الأسقفية إفطار رمضاني بكاتدرائية جميع القديسين الأسقفية حضره قيادات حزبية ووزراء ومحافظون سابقون، وسفيرة أيرلندا بالقاهرة وممثلي عدد من السفارات ومستشار سيخ الأزهر، ومجموعة من الوعّاظ والواعظات من مجمع البحوث الإسلامية.
وفي كفر الشيخ يقوم 13 شابا مسلمين ومسيحيين منذ 15 عاما بإعداد مائدة تقدم وجبة إفطار لنحو 650 صائما كما تقوم بتوزيع 650 وجبة للأيتام وكبار السن والمرضى والمغتربين يوميا.. في حين واصل واصف شفيق بمدينة بيلا، عادته السنوية بإعداد مائدة واحدة في شهر رمضان يجمع فيها المشايخ والقساوسة والأسر المسلمة والمسيحية كتقليد سنوي أعتاد عليه.
وفي الأقصر أقامت كنيسة نهضة القداسة الإنجيلية بالأقصر في تقليد سنوي لها، مائدة إفطار، دعت لها العديد من الشخصيات والقيادات الإسلامية والمسيحية لتناول الإفطار على مائدة واحدة.. كما أقامت "جمعية مفتاح الحياة" بأرمنت حفل إفطار حضره 400 شخص من المسلمين والمسيحيين تحت شعار "مد جسور المحبة".. كما نظمت جمعية الصعيد للتربية والتنمية بالأقصر، حفل إفطار جمع المسلمين والمسيحيين تجسيداً لروح المواطنة والمحبة والسلام ودعم قيم المواطنة والانتماء وبث روح المحبة والإخاء وقبول الأخر..
وفي شارع شهاب بالمهندسين نجد مائدة إفطار أمير الجواهرجي وشقيقه مراد اللذان ينظمان المائدة منذ 27 عاما وتستقبل أكثر من 500 صائم يوميا، والتي أطلق عليها "مائدة الوحدة الوطنية" .
ومن أشهر موائد الرحمن الرمضانية التي يقيمها المسيحيين، مائدة روماني رمزي عجايبي والتي تقام سنويا بشارع التليفزيون بمدخل مدينة الأقصر، ويتم خلالها توفير وجبات يومية لأكثر من 250 مواطن بالإضافة لتوزيع وجبات جاهزة على المستشفيات والجمعيات، بخلاف وجبات أخرى يتم توصيلها يوميا لمنازلهم الذين يخجلون من الذهاب للمائدة تعففًا منهم.
ومن الأقصر إلى الغردقة حيث يقيم شقيق روماني، محارب رمزي عجايبي، للعام التاسع على التوالي مائدة في آخر شارع النصر وسط مدينة الغردقة لإفطار الصائمين والمارة، بالإضافة إلى توزيع وجبات جاهزة على العمال في المناطق الصناعية المحيطة بالمدينة. وتستقبل مائدة الرحمن حوالي 2000 شخص يوميًا على مدار شهر رمضان الكريم، بالإضافة إلى توزيع وجبات يومية على الفقراء والمحتاجين، بما في ذلك الذين لا يمكنهم الوصول إلى الموقع بسبب الإعاقة أو الفقر.
وللعلم لقد ورث روماني وشقيقه محارب عادة إقامة مائدة لإفطار الصائمين في رمضان من والدهم “رمزي عجايبي” الذي كان يقيم مائدة بالأقصر لأكثر من عشرين سنة.. وبعد وفاته أكمل أبنه روماني المسيرة في الأقصر، وشقيقه محارب بالغردقة.. وذكرت بعض المصادر بالأقصر أن روماني وقت كورونا، أقام مائدة رحمن متنقلة تلف في الشوارع قبل الإفطار لتوزيع وجبات.
ومن الموائد التي ينظمها المسيحيين أيضا مائدة رجل الأعمال جمال عازر إسحاق بمدينة بدر والتي تقدم إفطاراً يكفي لأكثر من 250 صائم طوال الشهر الكريم بخلاف الوجبات التي يتم توزيعها على منازل الذين يخجلون من الذهاب للمائدة.
مائدة بنايوتي
وفي حي شبرا، ترتبط مائدة شارع "أبو رافع" المتفرع من شارع "يلبغا" منذ 38 عاما، باسم جميل بنايوتي، والتي بدأها مع صديقه أبو عبد الرحمن بمشاركة عائلة آل عباس.. وبدأت المائدة بإعداد الأطعمة والحلويات بمنازل الأسر المسلمة والمسيحية، ومع توسعها وزيادة عدد طاولاتها أصبح للمائدة مطبخها الخاص، ولكن هذا لا يمنع مشاركة السيدات المسلمات والمسيحيات من المشاركة في عمل المطبخ.
** موائد المسيحيين بدأت 1919
وفكرة إقامة المسيحيين موائد الرحمن في رمضان أو مشاركتهم بها، ليست بجديدة فقد بدأها القمص سرجيوس، خطيب ثورة 1919، فكان ينظم موائد الرحمن في جامع الأزهر، وكان يقيم به طوال شهر رمضان، وكان يحرص على خدمة ضيوف المائدة.
وكانت مائدة صاحب شعار "الدين لله والوطن للجميع" مكرم عبيد، من أشهر موائد رمضان وتقليداً وطنياً يشارك فيه مجموعة من الرموز المصرية، أبرزهم مصطفى النحاس ولطفي بك السيد وغيرهم من الساسة مسلمين، ومسيحيين، ومشايخ، وقساوسة..
وفي ستينيات القرن الماضي شارك قداسة البابا كيرلس السادس في إقامة مائدة رحمن في القاهرة وعدة محافظات، وفي عام 1969 أقيمت أول مأدبة وحدة وطنية في منطقة الجيوشي بحي شبرا، والتي نظمها القمص صليب متى ساويرس راعي كنيسة "مار جرجس" باسم "جمعية السلام القبطية" وكانت هذه أول مأدبة إفطار تقيمها كنيسة، وصارت تقليدا سنويا..
وفي عام 1986 قام قداسة البابا شنودة الثالث، بإعداد أول مائدة إفطار بمقر الكاتدرائية بالعباسية والتي حضرها ألاف المدعوين ورجال الدين من المسلمين والمسيحيين، وصارت تقليدا سنويا، وانتقلت لكافة الطوائف والكنائس داخل مصر وخارجها.
وذكر بعض المهتمين بتاريخ المحافظات ومنهم المهندس سيد كراوية أن المسيحي المصري جاورجيوس هو أول من أقام مائدة إفطار في بورسعيد على ناصية كسرى ومحمد على قرب محطة السكة الحديد لإفطار القادمين للمدينة إلى جانب أبنائها.. ويذكر أن الخواجة " جاورجيوس " كما يطلقون عليه في بورسعيد توفي عام 1910 وترك وقفية بحوالي 900 ألف جنيه، أوقف إيرادات أملاكه بالمنيا وسوهاج لخدمة وإقامة المساجد، وأملاك الإسكندرية لخدمة كنيسة..
حقا كما قال الراحل البابا شنودة الثالث «مصر نسيج واحد يستحيل تفتيته»
إنها مصر التي ترفع شعار " الصوم لله والوطن للجميع" فالصوم فريضة فرضها الله تعالى على كل الأديان، علما بأن أول رمضان صام فيه المسلمون كان يوم الأحد 26 فبراير عام 624 ميلادية الموافق السنة الثانية للهجرة، وقد تم التبليغ بصيامه كفريضة يوم الإثنين أول شعبان في السنة الثانية من الهجرة.