مما لا شك فيه أن عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر العام 2023، كانت بعث جديد للقضية الفلسطينية التي تكالبت عليها ألاعيب السياسة منذ أن نشأت في العام 1917 مع وعد من لا يملك وهو بلفور البريطاني بحق الصهيونية الممسحة في الديانة السماوية اليهودية بإقامة وطني قومي لهم في فلسطين التي كانت في ذلك الوقت إحدى المستعمرات العثمانية وتخضع للانتداب البريطاني.
وللإنصاف لا يمكننا القول إن ذلك تم في غفلة من العرب لأنها كانت مستعمرات بريطانية وفرنسية وإيطالية.. فضلا عن جهالة بعض الممالك أو عدم قراءتها للمخطط قراءة جيدة، ومطامع أسرة الحسين بن علي الهاشمي في تكوين مملكة سوريا الكبرى والتي تضم سوريا، وفلسطين، والأردن، والعراق.. والممالك التي لم تخضع للاستعمار مثل السعودية وشمال اليمن كانت ضعيفة من الناحية العسكرية.. ورغم ذلك قامت جيوش مكونة من السعودية ومصر والأردن وسوريا ولبنان والعراق إلى جانب الفلسطينيين بخوض حرب عام 1948 لطرد المغتصب الذي كانت تسانده الدول الاستعمارية، وانتهت الحرب بخسارة للجيوش العربية رغم تمكن الجيش الملكي المصري بالسيطرة على قطاع غزة والنقب وبئر سبع، والجيش الملكي الأردني على القدس الشرقية والضفة الغربية الواقعة على نهر الأردن.. ثم فقدناها في الخامس من يونيو 1967 فيما يعرف بنكسة 67، وهي موقعة انتصرت فيها ما يسمى بدولة إسرائيل على العرب واحتلت كذلك هضبة الجولان السورية.. وكان ذلك بمساعدة قوى الاستعمار القديم والمستعمر الجديد المعروف بالولايات المتحدة الأمريكية.
قضية فلسطين
ونعيش قضية فلسطين.. قضية الوجود العربي، وتبقى مقولة الزعيم المصري خالد الذكر جمال عبد الناصر “إن صراعنا مع إسرائيل صراع وجود لا حدود “، لأن حفنة اليهود المتصهينة والذين كانوا يعيشون في دول أوروبا وأمريكا مضطهدين وضاقت بهم أراضيهم هدفهم الرئيسي وفقا للصهيونية وبتدعيم من دول الاستعمار، إقامة وطن يمتد من نهري دجلة والفرات بالعراق حتى نهر النيل في مصر.
** ألاعيب السياسة أضاعت القضية
منذ وقبل وأثناء الإعلان عن قيام دولة إسرائيل في العام 1948، تلاعبت كل الدول الاستعمارية والصديقة والأشقاء على هذه القضية، بل وتاجر البعض بها، حتى أصحابها تلاعبوا بها وانقسموا وقتل بعضهم البعض..
بداية الألاعيب كانت في الثالث من يناير 1919، عندما وقع ملك الحجاز وقتها الأمير فيصل الأول بن الشريف الحسين الهاشمي مع رئيس المنظمة الصهيونية العالمية حاييم وايزمان، اتفاقية يمنح فيها اليهود تسهيلات لإنشاء مجتمع للتعايش وهو ما يعرف حاليا بالمستوطنات في فلسطين والاعتراف بوعد بلفور..
والأمير الذي لم يكن يجيد اللغة الإنجليزية وقع على الاتفاقية في حجرته بفندق "كارلتون" دون الرجوع لمستشاريه في الغرفة المجاورة لترجمة الاتفاقية، مكتفيا بما شرحه له مستشاره الضابط والدبلوماسي الإنجليزي (تي إي لورانس والمشهور بلورنس العرب).. وكان فيصل قد التقى وايزمان في عام 1918 في شرق الأردن وتم الاتفاق على دعم الأمير للاستيطان اليهودي في فلسطين مقابل مساعدة الحركة الصهيونية في تنمية الدولة العربية الشاسعة التي كان يأمل الأمير الهاشمي في تأسيسها.. وهو ما حدث فالأمير المولود بمدينة الطائف السعودية كان أول ملوك العراق (من 1921 وحتى 1933) وأسس أول مملكة سورية عام 1920.
واكتملت فصول المؤامرة في مارس 1919 بإرسال لورانس رسالة للزعيم الصهيوني الأمريكي فيليكس فرانكفورت باسم الأمير فيصل بن الشريف الحسين الهاشمي تفيد بموافقة العرب على الخطة الصهيونية لفلسطين.
وفي التاسع والعشرين من نوفمبر عام 1947، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 181 والذي يقضي بإنهاء الانتداب البريطاني لفلسطين وتقسيمه لثلاث كيانات دولة فلسطينية عربية ودولة يهودية ووضع القدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية.. ولم لا، ألم يعترف العرب بحق اليهود في إقامة وطن لهم في فلسطين بموجب اتفاقية الأمير فيصل مع وايزمان؟!
في الرابعة عصر يوم الرابع عشر من مايو 1948، أعلن قادة المنظمة الصهيونية العالمية وعددهم 38 صهيوني من تل أبيب قيام دولة إسرائيل كوطن قومي لليهود في فلسطين، وفي صباح اليوم التالي أعلن انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين بمغادرة مندوبها السامي مقره بالقدس متوجها إلى لندن، لتعلن الولايات المتحدة الأمريكية بعدها بعشر دقائق الاعتراف بدولة إسرائيل وتبعتها المملكة الإيرانية.. وفي السابع عشر من مايو 1948 كان الاتحاد السوفيتي أول دولة تعترف بشكل قاطع بالدولة الصهيونية، التي اعترفت بها 163 دولة بالأمم المتحدة من بين 193 دولة.
وعقب إعلان المنظمة الصهيونية عن قيام دولة إسرائيل بدأت حرب فلسطين بين جيوش ممالك مصر والأردن وسوريا والعراق والسعودية ولبنان ومجموعات قتالية فلسطينية ضد المليشيات الصهيونية المسلحة لطردهم من فلسطين (ولقد بدأت الحرب في مايو 1948 واستمرت حتى مارس 1949 ) وخلال هذه الحرب بدأت المؤامرات والخيانات، بمنع بعض الدول العربية المجاهدين من الاستمرار في مقاومة العصابات الصهيونية، بحجة أن جيوشهم ستقوم بهذه المهمة، ثم يبدأ مسلسل الخيانات لاستكمال المؤامرة، وتنتهي الحرب بهزيمة الجيوش الدول العربية وسقوط أكثر من 78% من أرض فلسطين بيد الدولة الصهيونية .
تراجع القضية
مع مرور الوقت تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية وقد لعبت بعض الأمور دورا في تراجعها:
أولها: أن السلطة الفلسطينية اختارت خيار التفاوض والوصول لحل سلمي مع عدم وجود قوة عسكرية فلسطينية رادعة للتصرفات الإسرائيلية التي باتت تتصرف كيفما تشاء. مما أضعف ردة الفعل الفلسطيني التي اكتفت بالشجب والإدانة والذهاب لعتبات البيت الأبيض الداعم بلا نهاية للكيان الصهيوني.
ثانيها: الخلاف بين أكبر فصيلين فلسطينيين هما حركتي فتح وحماس والذي أدى إلى انقسام فلسطيني طال كافة الفصائل.. واللافت أن الصراع بين الحركتين هو صراع على السلطة والنفوذ، وخير مثال على ذلك ما يطلق عليه معركة غزة أو انقلاب حماس فقد كان صراعا على السلطة التي فقدتها فتح في الانتخابات البرلمانية عام 2006 وتطور لمواجهة مسلحة فقد خلالها الشعب الفلسطيني وفق تقديرات اللجنة الدولية للصليب الأحمر أكثر من 116 قتيل وإصابة 550 فلسطينيا خلال خمسة أيام (بين العاشر والخامس عشر من يونيو 2007) وسيطرت حماس على القطاع بعد الإطاحة بمسؤولي حركة فتح، لنجد أنفسنا أمام كيانين فلسطينيين السلطة الوطنية بقيادة فتح بالضفة وغزة تحكمها حماس.
واعتقد أن الحركتين لم يعد لديهم ممانعة (وأجزم بالرغبة) في تكوين دولتين برام الله وغزة.. وقد حاولت إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول العربية تغذية هذه الفرقة وإقامة دولتين فلسطينيتين، دولة ذات صبغة إسلامية في غزة لاستغلالها ضد الأمن القومي المصري وأخرى مدنية أو علمانية على بالضفة الغربية.
ولا يفوتنا في ذلك السياق الإملاءات الخارجية وتنفيذ أجندات خارجية لا تخدم القضية بقدر خدمة أصحاب الأجندات وساعد على ذلك انقسام العرب على أنفسهم فيما بينهم والتحيز لفيصل عن أخر، واستخدام الفصائل ورقة في اللعبة السياسية تماما كورق "الكوتشينة". وهو ما أعطى الفرصة لإيران للاستحواذ على الفصائل ذات الصبغة الإسلامية (حماس والجهاد) كما لعبت تركيا وقتا طويلا على حبل حماس قبل انقطاعه بسبب معارضة الحركة للتطبيع الكامل بين أنقرة وتل أبيب، وقبل ما يطلق عليه بثورة الشعب السوري على نظام الأسد كانت دمشق حاضنة لحماس وكان المكتب السياسي للحركة يقطن في دمشق، ولكن الحركة انقلبت على نظام الأسد وأيدت ما يحدث وفقا لإملاءات دولة عربية أخرى كانت قد دخلت كلاعب رئيسي في الملعب العربي.
وفي الوقت الذي سعت فيه دولا عربية وغيرها على تعزيز الفرقة الفلسطينية، للحق وليس تحيزاً، سعت القاهرة لجمع الشمل الفلسطيني وتحقيق مصالحة تؤدي لوحدة الفصائل، وإن كانت الانتهازية السياسية لدى حماس وفتح عطلت كثيراً المفاوضات، إلى جانب شكوى قادة حماس بأن الإدارة المصرية تتعامل معهم باعتبارهم جزء لا يتجزأ من جماعة الإخوان المسلمين حتى تحول الملف إلى المخابرات العامة بقيادة الراحل المحترم اللواء عمر سليمان والذي تمكن من التعامل مع الملف بنظرة المصلحة العامة..
والسعي المصري لوحدة الفصائل لم يكن وليد اللحظة فهو نهج متبع منذ عهد الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر، عندما وحد الفصائل الفلسطينية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية ووقتها لم تكن حماس أو الجهاد قد ولدت بعد، وساعد على توحيد الكتائب تحت مظلة جيش التحرير الوطني الفلسطيني، ونجحت القاهرة في اقناع جامعة الدول العربية ومجموعة عدم الانحياز، بل وكافة المؤسسات الدولية والأممية للاعتراف بمنظمة التحرير الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني.
ورغم كل ذلك يبقى الانقسام الفلسطيني حتى وقتنا هذا قائماً وكأنه شجرة توت.
ثالثا: أحداث ما يعرف بالربيع العربي والذي أدى لتفتيت وإضعاف واحتلال دول عربية من قبل تنظيمات إرهابية بدعم قوى الاستعمار ودول عربية وإسلامية تمارس العمل العسكري كما حدث ولازال يحدث في سوريا وليبيا، وانقسامات ومواجهات مسلحة بتغذية من قبل بعض الدول العربية إما خوفا على عروشها أو حبا للسيطرة على منابع الثروات بتلك الدول كما هو الحال في اليمن والسودان وليبا أيضاً.. وسبق ذلك الاحتلال الأمريكي للعراق بدعم وتأييد من الدول العربية، فيما تواجه الدول الناجية من تسونامي الربيع العربي وهي مصر وتونس مشاكل اقتصادية إما بفعل الطبيعة أو مدبرة بعد نجاحها في السيطرة الأمنية على مقاليد بلادها ومحاولة ضبط العملية السياسية وهو ما دفعها في كثير من الأحيان للانكفاء على داخلها وليس محيطها.. وإن كانت مصر رغم تلك الظروف لم تنس القضية لعقيدتها بأنها "أم القضايا " والقضية المركزية في الصراع العربي الإسرائيلي.
رابعا: هرولة كثير من الدول العربية للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وكان خير مثال لذلك ما أطلق عليه صفقة القرن أو الاتفاق الإبراهيمي وضم الإمارات، والبحرين والمغرب، وموريتانيا والمغرب وكانت – ولازالت- السعودية على أبوابه.. وكانت هناك محاولات لضم السودان قبل اندلاع المواجهات بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني.
فضلا عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمتي العدل والجنائية الدوليتين جميعهم يخضع للنفوذ الأمريكي، إضافة إلى سلاح الفيتو الأمريكي البريطاني الذي يستخدم دائما لعدم صدور قرارات ضد الكيان المغتصب.. حتى وإن صدرت فهي بلا جدوى لأنها لا تنفذ، مما جعل إسرائيل تفعل ما تشاء وقتما تشاء لغياب الحساب والعقاب.
كل ذلك أحبط الشعب الفلسطيني والشعوب العربية التي تجرعت منذ صغرها أن القضية الفلسطينية قضية وجود، وأنها هي قلب الصراع العربي الإسرائيلي. وفقدت الأمل في الحل منتظرة المعجزة الإلهية عندما تنطق الشجرة ويصيح الحجر.
حتى جاء وقت إحياء القضية في السابع من أكتوبر 1973 ليعلن عودة الروح للقضية، وبعثها للحياة من جديد وأهم ما يميز تلك العملية أنها أثبتت أن الوحدة الفلسطينية هي الحل، فقد قامت كافة الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة بتوحيد كتائبها وحركتها السياسية في غرفة عمليات مشتركة لتعيد للأذهان ذكرى المفتي أمين الحسيني وعبد القادر الحسيني وعز الدين القسام هؤلاء من خاضوا بدايات النضال الفلسطيني الموحد.
عملية طوفان الأقصى أو عودة الروح والبعث من جديد للقضية لن تنتهي إلا بحل الدولتين، لقد ولدت العملية قناعة ذلك الحل بعد أن شاهد الجميع بشاعة الكيان الصهيوني ومدى إجرامه المحتمي في عباءة واشنطن ولندن، وبرلين، وروما، وباريس.. وهذا على ما يبدو قد وضح من تحركات بعض الدول الأوروبية مثل إيرلندا التي أعلنت انضمامها لجنوب إفريقيا في قضيتها بمحكمة العدل الدولية، إعلان بلجيكا وإسبانيا ودولاً أنهم على طريق الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
القنبلة النووية
وإذا لم ينته الأمر بحل الدولتين، والاكتفاء بالمسكنات كما حدث في أوسلو، فإن قطاع غزة والفلسطينيين في أراضي السلطة الفلسطينية والأراضي المحتلة سيكونون قنبلة نووية تنفجر في العالم وليس في محيطهم فقط.
على الصعيد العربي كشفت العملية عن زيف مواقف كثير من البلدان وتواطئ البعض، فهناك من طرد السفير ليس كرها في الكيان وإنما ليمنع التظاهرات والتوترات ويحتوي أزمة سياسية قد تؤدي لزوال عرشه، وهناك من طرد السفير ويعلن رفضه وإدانته وشجبه للممارسات الإسرائيلية وهو في ذات الوقت يصدر الخضروات والفواكه للكيان وتعتبر أراضيه جزء من الجسر البري الذي يربط الكيان بالهند. ولا ننسى في ذلك السياق الخليفة العثماني في أنقرة الذي بدأت شرطته تلقي القبض على المتظاهرين المنددين لتصدير بلادهم الأغذية وكافة مستلزمات الحياة للكيان بينما يقف الخليفة في الساحات يندد ويتوعد.
أصداء القنبلة النووية الغزوية وصلت للولايات المتحدة الأمريكية وباتت من الملفات الرئيسية للناخب الأمريكي الذي سيحسم أمر مرشحه وفقا لموقفه من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وهو ما دفع بايدن للعدول عن الكثير من تصريحاته ومواقفه حتى ترامب راعي صفقة القرن الإبراهيمي والذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وعدل قبلة السفارة الأمريكية إليها بدلا من تل أبيب.. وربما يصب ذلك في مصلحة المرشح المستقل للرئاسة الأمريكية وتكون المرة الأولى التي يخرب فيها الحزب الجمهوري ومنافسه التقليدي الديمقراطي من البيت الأبيض.
أما أوروبا فرؤساء الحكومات والدول المتورطة في دعم الكيان فلن يكون لهم وجود في الأيام المقبلة وربما دائما لأن الشعوب لا تنسى مواقف قادتها.. فقد كشف موقفهم من العدوان مدى ازدواجية حكامهم وقد يذهب الأمر لخلاف أوروبي – أوروبي نتيجة لمواقف دول الاتحاد الأوروبي المتضاربة من القضية.. ونتيجة للمظاهرات التي لم تتوقف منذ أدركت شعوب أوروبا حجم المأساة الحقيقية بدأ بعض الحكام الأوربيين العدول عن سياستهم تجاه الكيان المغتصب والأرض والشعب المغتصبين كرسالة غفران عن خطاياهم وخطايا أجدادهم بحق الفلسطينيين شعباً وأرضاً.
ولا ننسى الانفجار الذي حدث في دول العالم الثالث، خاصة إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهو أشبه بثورة ضد قوى الاستعمار البريطاني والألماني، والإيطالي، والفرنسي، والأمريكي.. فقد ذهبت جنوب وإفريقيا ومعها قرابة 60 دولة متضامنة إلى محكمة العدل الدولية وطردت السفير الإسرائيلي وقطعت العلاقات الدبلوماسية وهو ذات الفعل الذي قامت به دول أمريكا اللاتينية، التي تعتزم هي الأخرى مقاضاة إسرائيل حيث أعلن 650 محامي من تشيلي التوجه للمحكمة الجنائية الدولية ومن المنتظر انضمام أخرون من اللاتينيين، أما نيكاراجوا فقد أقامت دعوى قضائية ضد ألمانيا لمساندتها ودعهما لإسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. أي أن الدول التي ظلت لسنوات خاضعة للاستعمار، ثم هيمنة تلك الدول خرجت في مظاهرة رفض لن تنتهي إلا بإسقاط غطرسة الدول الاستعمارية واغتيال نفوذها.
وربما نرى في الأيام أو الشهور أو السنوات القليلة القادمة نشوب نظام عالمي جديد تكون دول العالم الثالث أحد أقطابه.
لذلك فاليوم التالي لغزة لن يكون متعلقا بالقطاع المدمر، ولا بمن سيحكم.. اليوم التالي سيصل للسلطة الفلسطينية الحالية بكل تفاصيلها.. وسيصل للبلدان المجاورة.. فإذا كانت أمريكا أوقفت التقدم الياباني في الحرب العالمية الثانية بالقنبلة الذرية وكان تأثيرها في الإمبراطورية اليابانية فإن قنبلة غزة سيكون تأثيرها أبعد بكثير سيطول دولا وعروشا، لأن الفتى والشاب الفلسطيني الذي عاش تفاصيل حرب الإبادة الجماعية تحت مسمع ومرأى العين العربية والإسلامية والعالمية سيكون أشرس من المقاوم الحالي والذي كان فتى وطفلاً إبان الانتفاضة والعدوان الإسرائيلي خلال الفترة ما بين 2006 وحتى 2021.
لذلك على قوى الاستعمار والانبطاح العربي والإسلامي أن يدرك أمرا هاما، لقد عادت الروح للقضية الفلسطينية، وبعثت من جديد بفضل العملية العسكرية في السابع من أكتوبر 2023، وصمود وانتصار المقاومة الفلسطينية الموحدة في غزة وباقي الأراضي الفلسطينية، والغليان لدى الشعوب العربية والإسلامية إن كان صامتا في بعضها وظاهرا في البعض الأخر، سيفضي لانتفاضة وربما عصيان إقليمي تزول فيه عروش ومقاعد.. والحل الأمثل حاليا ليس التفاوض لوقف العدوان وإدخال الغذاء والدواء ومياه الشرب فمن استطاع العيش في ظل تلك الظروف 7 أشهر سيعيش ويتغلب كما عاش وتغلب.. الحل الأنسب الآن هو إعلان قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، فنحن أمام فرصة لا ولن تعوض.