منذ بداية العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة الفلسطيني، في السابع من أكتوبر الماضي، الذي أودي بحياة عشرات الألاف، في مجازر لا زالت قائمة حتي اليوم، تساءل العرب والمسلمون حول العالم، عن سر اختفاء الكتائب والفيالق والسرايا والجبهات والحركات التي كانت تقاتل الجيوش الوطنية في مصر والعراق وسوريا ولبنان وليبيا، وعن آلاف المجاهدين والانتحاريين، ومئات الفتاوى بالجهاد ضد الحكومات العربية.
وضجت منصات التواصل الاجتماعي في كل مكان، بأسئلة عديدة كان أكثرها ترديدا، أين أمراء الحرب والمجاهدون والخلفاء، أين اختفى الباحثون عن الحور العين، وموائد الطعام في الجنة، ومنازل الشهداء، هل انتهت الحاجة للجهاد، أم توقفت أجهزة المخابرات الغربية عن طلب الجهاد منهم، هل تشبعوا من الغنائم وموائد الطعام علي الأرض، فتخلفوا عن موائد السماء وقصورها، هل أنساهم جهاد النكاح وتعدد الزواج من السبايا، شوقهم للقاء الحور العين؟
أين مجاهدي القاعدة ومقاتلي داعش، أعداء الطواغيت، أين جماعة أبو مصعب الزرقاوي وأولاد أبو عزام وأبناء الظواهري، وأحفاد بن لادن، ومناصري أبوسياف، وغيرهم من آباء الجهاد، أين مشايخ الفتوي وتلاميذ ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب؟.
الإجابة كانت للأسف، تبخروا جميعا مع بداية الحرب الحقيقية ضد الاحتلال الاسرائيلي.
تبخر تنظيم القاعدة متعدد الجنسيات والأعراق الذي وصف نفسه بـ"الجهادي"، منذ تأسيسه في الفترة بين أغسطس 1988 وأوائل عام 1990 في أفغانستان لمواجهة الاحتلال الروسي.
سمي تنظيم القاعدة بهذا الإسم لأنه بدأ بإعداد قاعدة بيانات بأسماء المجاهدين الإسلاميين وجنسياتهم، علي يد مؤسسيه أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري، وعبد الله عزام، وغيرهم من آباء التنظيم.
وبعد خروج الروس من كابول، دعا تنظيم القاعدة إلى الجهاد الدولي بهدف إنهاء النفوذ الأجنبي في البلدان الإسلامية، وإعادة الخلافة، وتطبيق الشريعة الإسلامية.
هاجمت القاعدة أهدافًا عسكرية ومدنية في مختلف الدول خاصة التي ترعي مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، كان أبرزها هجمات 11 سبتمبر 2001، كما نفذت مئات العمليات الانتحارية والإرهابية حول العالم.
وبعد الحادي عشر من سبتمبر وإعلان الحرب على الإرهاب، وعزل القاعدة جغرافيًا، ظهرت عشرات الجماعات والحركات بقيادات إقليمية مختلفة، تعمل تحت اسم القاعدة، استهدفت كبير من العواصم حول العالم، لكنها لم تستهدف يوما تل أبيب.
إنه نفس المنهج الجهادي الموجه، فعلي مدي سنوات نشاط التنظيم "الأم"، تم تجنيد عشرات الألاف من المقاتلين الذين اجتازوا الصحاري وعبروا البحار والمحيطات لقتال الروس تحت شعار الجهاد، ولم يلتفت مجاهد واحد منهم إلي المسجد الاقصي والقدس الشريف المحتل، علي بعد خطوات منه.
وكما تبخر تنظيم القاعدة، تبخر أيضا تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الذي عرف باسم" داعش".
اتبع تنظيم داعش الذي ورث القاعدة، فكر وعقيدة السلفية الجهادية، وشكل خلال الفترة الممتدة بين 2014 و2017 شبه دولة في العراق تم القضاء عليها فيما بعد.
تأسس التنظيم على يد أبي مصعب الزرقاوي، الذي أسس سنة 2003 جماعة التوحيد والجهاد، التي كانت النواة الأولى لتنظيم داعش، بهدف إقامة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة.
تنظيم داعش الذي حارب الجيوش الوطنية في العراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر والصومال ونيجيريا وباكستان وموزمبيق والنيجروغيرها من الدول العربية والاسلامية، لم يطلق رصاصة واحدة علي إسرائيل.
وعندما ثارت التساؤلات حول ماهية التنظيم، وذهبت كافة التحليلات السياسية والدراسات الامنية إلي إعلان حقيقة كونه صناعة أمريكية إسرائيلية، كان الرد في مقال بصحيفة النبأ الناطقة باسم التنظيم بالعدد الصادر في مايو 2021، يبرر فيه عدم استهداف إسرائيل؛ بحجة القضية الفلسطينية ليست قضية المسلمين الأولى، وإنما القضية الأولى هي "إقامة التوحيد".
الغريب انه اعتبر أن الجهاد فيها باطل، مادام سيستبدل حكم اليهود فيها بحكم حاكم عربي جديد سوف يأتي عبر نظام يخالف الشريعة الاسلامية، وأن الأولوية لديهم .
وراح يؤكد أن جهاده في الدول الأخرى، أفضل من المقاومة في فلسطين وعلى الناس أن يدركوا أن الجهاد في سبيل الله تعالى يختلف عما يسمى بالمقاومة، فالفرق بين الجهاد والمقاومة كالفرق بين الحق والباطل، والضلالة والهدى.
وعلى الناس أيضا أن يصححوا مسارهم ويضبطوا بوصلتهم على مؤشر الجهاد لا المقاومة، والأغرب من ذلك كله، أن نفس المقال وصف فصائل المقاومة الفلسطينية بأنها رايات كافرة(!).