رغم تسامح الحكام
فساد الوزراء ومظاهر الترف والحملات الصليبية وراء سقوط دولة الخلافة الفاطمية
لم يكن يدور في خلد دولة الخلافة الفاطمية بعد استقرارها في مصر، عودة الدولة العباسية بعد موت آخر الخلفاء الفاطميين العاضد لدين الله.
كان الفاطميون مستقلين بحكم مصر وشمال إفريقيا عن الدولة العباسية، فكانت هناك خلافتان تحكمان العالم الإسلامى، خلافة فاطمية بمصر والمغرب العربى، وأخرى عباسية تحكم العراق والشام والحجاز.
وبحسب معظم المراجع التاريخية التى تناولت تلك الفترة من تاريخ مصر، فقد لخصت عدة عوامل أدت على سقوط دولة الخلافة الفاطمية في مصر عام 567هجرية 1171 ميلادية، والتى تمثلت في العوامل الداخلية؛ وهي الاعتماد على أهل الذمة، ثم سيطرة الوزراء على الحكم ،وانقسام الدعوة الفاطمية إلى نزارية ومستعلية، فضلا عن انتشار الفساد والترف داخل قصور الحكم.
أما العوامل الخارجية فتمثلت في الصراع بين الخلافتين العباسية والفاطمية، إلي جانب الحملات الصليبية المستمرة.
وتفاعلت العوامل الداخلية والخارجية معاً لتصنع لنا الشكل النهائي لسقوط دولة الخلافة الفاطمية بعد ما يزيد على قرنين من الزمان، على نحو يؤكد أن السقوط في التاريخ عملية بطيئة لكنها حاسمة في النهاية.
وعود الخليفة الفاطمي
كانت مصر مع نهاية الدولة العباسية تعاني أوضاعا شديدة السوء، وهو ما وصلت أخباره للحاكم المعز لدين الله الفاطمى، فبادر باستغلال الفرصة بإرسال جيش فاطمى على رأسه جوهر الصقلى لضم مصر إلى دولته، لم يبدى المصريون أى مقاومة تذكر للفتح الفاطمى نتيجة هذه الأوضاع، وقد استبشروا بقدوم حكام جدد لهم عوضا عن الإخشيديين، خصوصا بعد خطبة قالها جوهر الصقلى باسم المعز عندما دخل مصر، فقد قدم فى هذه الخطبة وعوداً عديدة بينها تجديد سك النقود لتجنب الغش فيها، وتخفيف الضرائب الباهظة التى فرضها الإخشيديون، وحماية المصريين من خطر دولة القرامطة بالمشرق، ومنح أهل السنة الحرية بممارسة مذهبهم على طريقتهم، وهو ما فتح الطريق واسعا لدولة الخلافة الفاطمية التى شرعت في بناء مدينة القاهرة كعاصمة للدولة التى امتدت شرقا وغربا علي حساب الدولة العباسية.
تمكن الفاطميون في بداية عهدهم من كسب ود المصريين، إلا أنهم اعتمدوا بشكل أساسي على جميع المكونات المجتمعية العرقية والدينية، حيث كان الوزراء وقادة الجنود من الترك والصقالية والأحباش والأرمن.
ولعبت هذه المزيجة العرقية دورا كبيرا في تأسيس أركان دولة الخلافة الفاطمية وزيادة نفوذها وقوتها وازدهارها في فترتها الذهبية، مثل عهد العزيز بالله.
وصلت دولة الخلافة الفاطمية في أوج اتساعها للسيطرة على أجزاء واسعة من بلاد الشام والحجاز، وكانت تشكل تهديدا مباشرا للخلافة العباسية في بغداد قبل أن تضعف وتفقد نفوذها وقوتها العسكرية وتعاني من انتشار الفساد في أركانها وسقوطها .
سقوط الدولة الفاطمية
لخصت المراجع التاريخية أسباب سقوط دولة الخلافة الفاطمية ، في نقل سلطة الحكم فيها إلى وزرائها الذين كانوا يشغلون مناصب الحكم الفعلي، وكانوا يمتلكون كل السلطات، وذلك بدءا من العصر الفاطمي القوي بدر الدين الجمالي .
وكذلك انتشار الفساد والانحلال في أركان الدولة، حيث انتشر الترف والبذخ الشديد في قصور الحكام إلى مستوى غير مسبوق، في حين يعاني الشعب المصري من أشد أنواع المعاناة بسبب الضرائب العالية المفروضة عليه.
وكان من اسباب سقوط الدولة أيضا، السياسة المذهبية الأساسية لحكم الفاطميين التى كانت تهدف إلى نشر المذهب الشيعي ومحاربة المذهب السني، على الرغم من شهادة العديد من المؤرخين بتسامح بعض الخلفاء الفاطميين مع جميع المذاهب الإسلامية.
اما آخر أسباب سقوط الفاطميين فجاء نتيجة التهديد المباشر للدولة الإسلامية بحملات الصليبيين في مصر وبلاد الشام، حيث أصبح من الضروري إعادة توحيد أقاليم الخلافة العباسية لمواجهة الهجمات الصليبية، وقد نجح القائد صلاح الدين الأيوبي في تحقيق ذلك وتولي حكم مصر وإنهاء الدولة الفاطمية ونشر المذهب السني والمدارس السنية في مصر وبلاد الشام، وكان قادرا على مواجهة الحملات الصليبية والانتصار عليها .