في ستينيات القرن الماضي أطلق الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر مصطلح دول الطوق على الدول المجاورة لفلسطين المحتلة وهي: سوريا ولبنان شمالا، والأردن شرقا، ومصر جنوبا والبحر المتوسط غربا شاهدا على ما تعرضت له الأرض المحتلة على مدى قرون من الزمان.
ومع مرور الزمن عرف مصطلح عمود الخيمة العربية وضم ثلاثة عواصم هي القاهرة وبغداد ودمشق نظرا لقوتها العسكرية والسياسية، خاصة مصر التي بلغ تأثيرها السياسي قارات العالم الجنوبية (آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية) وهي دول باحثة عن التحرر من الاستعمار.
ولم تستريح الدول الاستعمارية وبعض الدول الإقليمية لذلك النفوذ الذي يهدد عروشهم، فكانت أولى فصول المؤامرة الكبرى على العراق واحتلالها من قبل أمريكا وبريطانيا عام 2003، والدفع بتكوينات إرهابية تم تجميعها والإنفاق عليها من قبل الدول الاستعمارية والإقليمية تحت مسمى "تنظيم الدولة الإسلامية " والمعروف بـ "داعش" لتسقط العراق الدولة المستعصية سياسيا وذات قوة عسكرية لا يستهان بها في براثن الاستعمار والإرهاب، ليسقط أول عمود من أعمدة الخيمة.
السم الاستعماري في الربيع العربي
وفي العام 2011، بعد أن اكتشفت الدول الاستعمارية والإقليمية حجم التكاليف التي انفقت في العراق، وأن المارد الذي صنعوه بات خطرا عليهم، كان الحل فيما أطلق عليه "الربيع العربي" لتحطيم ما تبقى من الأعمدة وهي مصر وسوريا وبينهما ليبيا بقيادة العقيد معمر القذافي الذي كان يخوض حربا ضد الهيمنة الاستعمارية الأمريكية البريطانية الفرنسية الإيطالية بالقارة الإفريقية والمنطقة العربية محاولا توحيدهما.
تكرر سناريو العراق في سوريا وليبيا وذلك بسبب صمود القوات المسلحة السورية والليبية في مواجهة المخطط واكتشفت تلك الدول أنه لابديل عن الحل العراقي ،ولكن هذه المرة استخدمت دول ذات أطماع بالمنطقة مثل تركيا ومناطق عرف عدم ولائها للنظم الحاكمة وجماعة "الإخوان المسلمين" المحظور نشاطها ( هذا كان وصفها الإعلامي في ذات الوقت ) وتم تسليح قبائل وعائلات هذه المناطق لتكوين ميليشيات مسلحة والدفع بمرتزقة أجانب ،ولا مانع في تلك الأثناء أن تقوم إحدى الدول الإقليمية المشاركة في العملية بتشكيل تنظيم ذو صبغة إسلامية ،لتقوم تلك الفصائل بالعمل العسكري بديلا لجيوش الدول الاستعمارية لتسقط دمشق وطرابلس في براثن عدم الاستقرار ،والعيش تحت طائلة المليشيات والمنظمات الإرهابية.
وفي تلك الأثناء صمدت مصر، وتمكنت بحكمة أجهزتها الأمنية والمجلس العسكري العبور بالبلاد من تكرار المشاهد السابقة، وإن خاضت القاهرة حربا ضروس ضد الجماعات الإرهابية في سيناء والمنطقة الغربية، لكنها خرجي في نهاية المطاف سالمةً مما أطلق عليه الربيع العربي وهو سم استعماري في عسل مصطلح الحرية والديمقراطية.
ولم يبق من عمود الخيمة سوى القاهرة المجاهدة للحفاظ على استقرارها وأمنها إلى جانب أعمدة الخيمة الجديدة (أبو ظبي والرياض والدوحة).
وكانت المفاجئة في المقاومة
بعد 13 عاما، وفي أعقاب "طوفان الأقصى" والجريمة الإسرائيلية المرتكبة على مرأى العالم برعاية أمريكية بريطانية ألمانية وإيطالية وتأرجح فرنسي، ظهر مالم يتوقعه أحد، حتى أعتى الخبراء والمحللين، ألا وهي المقاومة التي صبغت بصبغة دينية بمشاركة مقاومة ملونة بالأفكار اليسارية والليبرالية.. وأطلق عليها محور المقاومة.
كانت المقاومة في السابع من أكتوبر 2023، بعبورها السياج الاحتلالي حول قطاع غزة ضربة موجعة في صدر الاحتلال ومناصريه.. المفاجئة أن العملية العسكرية لم تكن حكراً على حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ذات الصبغة السنية، بل شاركت فيها فصائل إسلامية أخرى مثل الجهاد، وفصائل مدنية مثل الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية والوطنية وحركة فتح، وهذا يوضح أن الفصائل الفلسطينية بكافة توجهاتها الفكرية والدينية قد اجتمعت تحت لواء واحد هو فك الحصار المفروض على القطاع منذ 2008 وتحرير الأرض.
ثم كانت المفاجئة الأكبر، وهي مشاركة فصائل المقاومة الشيعية ممثلة في حزب الله، والزيدية (وهي من فصائل الشيعة) ممثلة في جماعة أنصار الله اليمنية، وما أطلق عليه المقاومة الإسلامية بالعراق (وهي تجمع فصائل سنية وشيعية) في الحرب ضد الاحتلال الإسرائيلي والراعي الرسمي له ،في سابقة هي الأولى من نوعها تنفذ عمليات عسكرية في البحر الأحمر وطريق رأس الرجاء الصالح، واستهداف القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية بالأراضي العراقية والسورية والأردنية، والمستوطنات والقواعد العسكرية ومطارات الاحتلال بالأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948.
وبذلك خلق طوفان الأقصى وجرائم الإبادة بحق الشعب الفلسطيني والمساندة الأمريكية والألمانية والدول الاستعمارية القديمة (البريطانية والإيطالية والفرنسية) تحالفا جديدا بالمنطقة سيكون أشد خطرا على هذه الدول والدول الإقليمية المؤيدة والمساندة والصامتة، وباتت أعمدة الخيمة ودول الطوق والمواجهة هي صنعاء والضاحية الجنوبية بلبنان وبغداد وغزة هي صانعة القرار، والمفاوض.. ولا يستبعد أن يكون للقاهرة حضورا في هذا التحالف نظرا لدورها القديم الجديد والذي أفشل المخطط الخاص بتهجير الشعب الفلسطيني قسرا لسيناء تنفيذا لمخطط ما عرف منذ 13 عاما باسم "الربيع العربي" .