تطورات هائلة على مدى عقود
رحلة تذاكر هيئة النقل العام بالقاهرة من واحد مليم لـ 20 جنيها
تعتبر هيئة النقل العام بالقاهرة إحدي أقدم وأكبر الهيئات المسؤولة عن تنظيم وتوفير خدمات النقل العام في مصر، تأسست في عام 1934، ومنذ ذلك الحين شهدت تطورات هائلة على مدى العقود التي تلتها، بما في ذلك تغييرات في أسعار التذاكر، والتوسعات الجغرافية، وتطوير البنية التحتية، وتحديث الأسطول عاما بعد عام.
مصلحة النقل العام 1934
تأسست هيئة النقل العام في عام 1934 تحت اسم " مصلحة النقل العام "، وكان الهدف الرئيسي منها توفير وسيلة نقل موثوقة وآمنة لسكان القاهرة في تلك الفترة، وكانت القاهرة تعيش تحولات حضرية سريعة، وزادت الحاجة إلى وسائل نقل جماعية لتنظيم حركة المرور والتخفيف من الازدحام، وفي ذلك الوقت، كانت الهيئة تتكون من عدد محدود من الحافلات التي تخدم مناطق معينة مثل وسط البلد وجاردن سيتي والزمالك.
وكانت أسعار التذاكر عند التأسيس بسيطة للغاية، حيث تراوحت بين 1 و2 مليمًا فقط، وهذه الأسعار كانت تتناسب مع القدرة الشرائية لسكان القاهرة في ذلك الوقت، الذين كانوا يعتمدون بشكل كبير على وسائل النقل العام في التنقل داخل المدينة.
أما في الستينيات، ومع توسع المدينة وتزايد عدد السكان، شهدت الهيئة تطورًا كبيرًا، وتم تغيير اسم المصلحة إلى هيئة النقل العام بالقاهرة، لتعكس الطابع الرسمي والدور الأكبر الذي أصبحت تلعبه في تنظيم النقل داخل العاصمة، وخلال هذه الفترة، ارتبطت خطط التنمية القومية بتعزيز البنية التحتية، بما في ذلك النقل العام، بحسب خطط التطوير التى اعتمدتها ثورة 23 يوليو.
وكان أحد أبرز التحسينات التي شهدتها الهيئة في هذه الفترة، إدخال الحافلات ذات الطابقين، فهذه الحافلات، التي كانت تستخدم بشكل رئيسي في الخطوط الرئيسية مثل شارع صلاح سالم وكورنيش النيل، أصبحت من المعالم البارزة لشوارع القاهرة، وتم تصميمها لاستيعاب عدد أكبر من الركاب، مما ساعد على تخفيف الازدحام في أوقات الذروة.
ومع التوسع في الخدمات وزيادة تكاليف التشغيل، ارتفعت أسعار التذاكر تدريجيًا لتصل إلى 5 قروش في أوائل السبعينيات. كان هذا الارتفاع مدفوعًا بزيادة تكلفة الوقود وتوسيع شبكة الخطوط لتغطية معظم أحياء القاهرة الكبرى.
أما في الثمانينات والتسعينات، بدأت الهيئة في تبني التقنيات الحديثة وتحديث أسطولها، وكانت البلاد تشهد انفتاحًا اقتصاديًا وتحسنًا في البنية التحتية العامة.
وشهدت هذه الفترة إدخال الحافلات المكيفة الهواء إلى أسطول الهيئة، مما وفر راحة أكبر للركاب، خاصة في فصل الصيف، كما تم إدخال الحافلات التي تعمل بالغاز الطبيعي كجزء من جهود تحسين البيئة وتقليل التلوث في القاهرة.
واستمرت أسعار التذاكر في الارتفاع خلال هذه الفترة، حيث وصلت إلى 25-50 قرشًا في أواخر التسعينيات، وهذا الارتفاع كان نتيجة طبيعية لزيادة تكلفة الوقود والمواد الخام المستخدمة في تصنيع وصيانة الحافلات، بالإضافة إلى التضخم الاقتصادي.
ومع دخول القرن الحادي والعشرين، شهدت هيئة النقل العام توسعات كبيرة على مستوى الخدمات والبنية التحتية، ففي هذه الفترة، كانت القاهرة تواجه تحديات كبيرة تتعلق بالازدحام المروري والزيادة السكانية، وتم توجيه استثمارات كبيرة لتحسين وتوسيع خدمات النقل العام.
وتم إدخال حافلات جديدة بتصاميم حديثة ومساحات داخلية محسنة، كما تم إطلاق خطوط جديدة تربط بين أحياء القاهرة المختلفة، بالإضافة إلى مد خطوط النقل لتشمل المدن الجديدة مثل 6 أكتوبر والشيخ زايد، كما بدأت الهيئة في تقديم خدمات النقل السريع التي تعتمد على حافلات أكثر سرعة وراحة.
أسعار التذاكر في العقد الأول من القرن الـ21
ووصلت أسعار التذاكر من 1 جنيه إلي 5 جنيهات في بعض الخطوط خلال العقد الأول من القرن الـ21، مع تنوع الأسعار حسب نوع الخدمة (مكيف أو عادي) والمسافة المقطوعة، وهذا التنوع في الأسعار كان يهدف إلى تلبية احتياجات مختلف شرائح المجتمع.
أما في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، استمرت الهيئة في تحسين خدماتها وتبني التكنولوجيا الحديثة، وفي هذه الفترة، كانت مصر تمر بتحولات سياسية واقتصادية كبيرة، وتأثرت خدمات النقل العام بالتطورات الجارية في البلاد.
وكان أحد أبرز التحسينات التي شهدتها الهيئة خلال هذه الفترة كان إدخال أنظمة الدفع الإلكتروني، مما سهل على الركاب استخدام الحافلات دون الحاجة إلى حمل النقود، كما تم تحسين تجربة الركاب من خلال إطلاق تطبيقات الهواتف الذكية التي تتيح للمستخدمين تتبع الحافلات والحصول على معلومات حول الجدول الزمني.
وارتفعت أسعار التذاكر بشكل ملحوظ في هذه الفترة لتصل إلى 5-12 جنيهات للحافلات العادية، و15-20 جنيهات للحافلات المكيفة، وذلك نتيجة لزيادة تكلفة الوقود وتحسينات الخدمات، كما شهدت الفترة إدخال حافلات فاخرة بأسعار تصل إلى 25 جنيهًا أو أكثر.
وفي السنوات الأخيرة، ركزت هيئة النقل العام على التوسع الجغرافي لتشمل مناطق جديدة، بالإضافة إلى تعزيز الاعتماد على وسائل النقل المستدامة، وشهدت الهيئة تحولات كبيرة نحو استخدام الطاقة النظيفة وتقليل الانبعاثات.
حافلات الطاقة الكهربائية
وبدأت الهيئة في تشغيل حافلات تعمل بالطاقة الكهربائية وأخرى تعمل بالطاقة الشمسية، وذلك كجزء من استراتيجية مصر للتحول إلى النقل المستدام، وهذه الحافلات الجديدة توفر تجربة ركاب محسنة وتساعد على تقليل التلوث البيئي في المدينة.
وتسعى الهيئة إلى تعزيز اعتمادها على وسائل النقل المستدامة في المستقبل، مثل الحافلات الكهربائية والحافلات التي تعمل بالطاقة الشمسية، كما تخطط الهيئة لتوسيع شبكة خطوطها لتشمل المزيد من المناطق النائية والمدن الجديدة التي تشهد نموًا سكانيًا متسارعًا.
وهناك خطط لإدخال أنظمة جديدة لتحسين تجربة الركاب، مثل تطبيقات الهواتف الذكية التي توفر معلومات في الوقت الفعلي عن الحافلات، وأنظمة الدفع الإلكتروني المتقدمة التي تجعل عملية الدفع أكثر سلاسة وسهولة.
ومع استمرار النمو السكاني في القاهرة، ستظل هيئة النقل العام تلبي احتياجات السكان المتزايدة مع التحولات العالمية نحو الاستدامة والابتكار في مجال النقل، ومن المتوقع أن تشهد الهيئة المزيد من التحسينات في أسطولها وخدماتها، مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من مستقبل النقل الحضري في مصر.
فتعد هيئة النقل العام بالقاهرة شاهدًا على التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها مصر على مر العقود، ومن خلال تحديثاتها المستمرة وتوسعاتها الجغرافية، تمكنت الهيئة من مواكبة التغيرات المتسارعة في العاصمة وتلبية احتياجات ملايين الركاب يوميًا، لتبقى جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية لسكان القاهرة.