في متحف الفن الإسلامي
مفتاح السلطان الأشرف.. آخر مفاتيح الكعبة المشرفة في مصر
اعتادت مصر منذ عصور طويلة إرسال مفاتيح الكعبة المشرفة كل عام إلى مكة المكرمة، ونظراً لأن هذه المفاتيح كانت تهدى في كل عام، فإن المفاتيح التي تحتفظ بها المتاحف قليلة وترجع إلى العصرين المملوكي والعثماني.
ويقتني متحف توبكابي سراي في اسطنبول معظم مفاتيح الكعبة التى استولي عليها العثمانين إبان فترة حكم مصر، بينما يحتفظ المتحف الإسلامي في القاهرة بواحد فقط من هذه المفاتيح، والذى يعتبر أقدم نموذج من مفاتيح الكعبة المشرفة.
وبحسب بيانات متحف الفن الإسلامي بالقاهرة، تم شراء القطعة من تاجر الآثار رالف هراري عام 1945 ميلادية، لوضعه بالمتحف.
ويعود المفتاح الوحيد الموجود بمتحف الفن الإسلامي في القاهرة إلي السلطان الأشرف شعبان بن حسين، والذى تم صناعته عام 765 هجرية، 1363 ميلادية، من النحاس المطعم بالفضة.
ويحمل مفتاح الكعبة الم الرقم المتحفي 15133، ويبلغ طول 34 سنتيمتر، وبحسب وصف المفتاح في السجلات المتحفية، فإنه يتكون من حلقة مستديرة قطرها 36 سنتيمتر تتصل بمكعب مشطوف الزوايا قابل للحركة يتصل بدوره بمقبض المفتاح.
شكل متوازي مستطيلات
ويتكون هذا المقبض من ثلاث كتل صغيرة متوازية المستطيلات تفصل بينها كتلتان لوزيتان، أما جسم المفتاح فيأخذ شكل متوازي مستطيلات أبعاد مقطعه صغيرة بالنسبة إلى طوله الذي يبلغ 13 سنتمتر، وينتهي جسم المفتاح بأربعة نتوءات.
ويزين المفتاح عدد من الكتابات ذات الدلالات الدينية والسياسية والتسجيلية. وتظهر على الكتل المضلعة الثلاث لمقبض المفتاح عدّة كتابات.
الكتابات الموجودة على الأوجه الأربعة الحرة للكتلة الأولى نصها "محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله"؛ والكتابات الموجودة على الأوجه الحرة للكتلة الثانية نصها "الأمر لله لا إله إلا الله – شعبان بن حسين – في سنة خمس وستين وسبعمائة"؛ والكتابات الموجودة على الأوجه الحرة للكتلة الثالثة نصها "مما عمل لبيت الله الحرام في أيام مولانا السلطان الملك الأشرف."
وهكذا، تشير الكتابات صراحة إلى صاحب المفتاح السلطان المملوكي الأشرف شعبان بن حسين الذي تولى السلطنة في الخامس عشر من شعبان سنة 764 هجرية، 1362 ميلادية وهو في الثانية عشرة من العمر وظل سلطاناً على مصر والشام حتى توفي عام 778 هجرية، 1376ميلادية.
يحمل النصوص القرآنية
ويحمل المفتاح تاريخ صنعه، وهو عام 765 هجرية 1363 ميلادية، ويظهر على جسم المفتاح كتابات بخط النسخ المملوكي وزِّعت على أوجهه الأربعة الحرة تحمل النصوص القرآنية التالية: "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً وينصرك نصراً عزيزاً – هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم" (سورة الفتح، الآيات 1 إلى 4)؛ "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين – فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً – ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين" (سورة آل عمران، الآيتان 96 و 97).
ويلاحظ أن الآيات القرآنية التي دوّنت على جسم المفتاح متوافقة مع الغرض من المفتاح، وتؤكد فريضة الحج على المسلمين.
وتشير الآيات كذلك إلى مدينة مكة باسم "بكة"، وهو واحد من الأسماء العديدة التي تطلق على مكة والتي تشمل أيضاً "أم القرى" و "البلد الأمين" و "البيت الحرام." كذلك تشير هذه الآيات إلى مقام سيدنا إبراهيم، وحسب الإمام البخاري، فإن المقصود بمقام إبراهيم هو الحجر الذي قام عليه إبراهيم حين ارتفع البناء. ويقع مقام إبراهيم بجوار الكعبة، ويعلوه قبة من الخشب مزينة من الداخل بزخارف مذهبة، ويستند المقام على أعمدة من الحجارة تحصر بينها أربعة شبابيك من الحديد.
سدنة الكعبة المشرفة
ويعتبر المفتاح هو أقدم نماذج مفاتيح الكعبة المشرفة التى كان يتم صناعتها مع الكسوة في العصور السابقة، والذى يختلف عن المفتاح التاريخي الموجود لدي سدنة الكعبة المشرفة.
بعد رفع نبى الله سيدنا إبراهيم، بمساعدة إبنه إسماعيل، قواعد بيت الله الحرام، أصبحت بعدها سدانة الكعبة لابنه إسماعيل ثم بعد وفاته صارت تتنقل بين القبائل حتى وصلت إلى قصى بن كلاب القرشى، وهو الجد الخامس للنبى صلى الله عليه وسلم.
وانتقلت سدانة الكعبة بعد ذلك إلى ولده الأكبر عبد الدار، ثم صارت فى بنى عبد الدار منذ الجاهلية حتى قدوم الإسلام، واستمرت فى أحفادهم من بنى شيبة، أبناء شيبة بن عثمان بن طلحة، الذى أعاد لهم الرسول مفاتيح الكعبة يوم فتح مكة وقال لهم: "خذوها يا بنى أبى طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم"، فهو فى عهدتهم إلى يومنا هذا حتى قيام الساعة.
ويحتفظ بنو شيبة بمفتاح الكعبة فى كيس خاص تمت صناعته يدويًا فى مصنع كسوة الكعبة من ذات خامة القماش التى تصنع منها الكسوة، ويبقى هذا الكيس فى مكان آمن فى بيت كبير السدنة، وعند وفاته ينتقل الكيس وبداخله المفتاح إلى كبير السدنة الجديد الذى تتوافق عليه عائلة الشيبي.
والسدنة مهنة قديمة، وتعنى العناية بالكعبة المشرفة والقيام بشؤونها من فتحها وإغلاقها وتنظيفها وغسلها وكسوتها وإصلاح هذه الكسوة إذا تمزقت، فى حين تغسل الكعبة مرتين فى السنة فى 1 شعبان و15 محرم من كل عام من الداخل، تتم صلاة الفجر فى الحرم، ومن ثم الدخول إلى الكعبة، ويتم الغسل بماء زمزم وماء الورد، وتمسح الجدران الأربعة، وتغسل بالماء المعطر، وتتم الصلاة فيها بعد الغسل.
وبحسب ما يذكره آل الشيبى فإن مفتاح الكعبة لم يُفقد أو يُسرق فى العصور الحديثة، إلا أن هناك محاولة جرت قديمًا جدًا لسرقته بيد أنها فشلت، وتم إرجاع المفتاح إلى سادن الكعبة فى ذلك الوقت.