و الأخيرة

رئيس التحرير
محمود الضبع

رجل الفكر التنويري

محمد عبده.. الإمام المجاهد رمز المقاومة الوطنية ضد الاحتلال البريطاني

موقع الصفحة الأولى

الاسم: محمد عبده بن حسن خير الله، وشهرته: الشيخ الإمام محمد عبده

تاريخ الميلاد: 1849

تاريخ الوفاة: 11 يوليو 1905

سبب الوفاة: سرطان الكلية

المناصب: مفتي الديار المصرية

 

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا".. بهذه الكلمات الخالدة، صدح الإمام محمد عبده، أحد أعلام التجديد في الفكر الإسلامي، والذي تحل علينا ذكرى وفاته اليوم، تاركًا إرثًا فكريًا غنيًا ما زلنا ننهل منه حتى يومنا هذا.

ورحل عن عالمنا الإمام محمد عبده في 11 يوليو عام 1905، وقبل رحيله تولى منصب مفتي الديار المصرية، فكان مثالاً للمفتي المستنير، حيث أصدر العديد من الفتاوى التي تدل على فهمه العميق لروح الشريعة الإسلامية، وسعيه الدائم إلى التيسير على الناس، ومواكبة التطورات الاجتماعية والاقتصادية التي كانت تشهدها مصر في ذلك الوقت، وبالرغم من رحيله عن عالمنا إلا أن أفكاره الإصلاحية ظلت خالدة، وباتت مصدر إلهام للعديد من المفكرين والدعاة الذين ساروا على دربه، داعين إلى التجديد والوسطية والاعتدال، ونبذ التعصب والتطرف.

وقد حمل هذا العالم الجليل، على عاتقه همّ النهوض بالأمة الإسلامية، ونشر قيم الوسطية والاعتدال، ومواجهة الأفكار المتطرفة التي شوهت صورة الإسلام السمحة.

 

حركة النهضة الفكرية 

ولد محمد عبده في قرية محلة نصر بمركز شبراخيت في محافظة البحيرة عام 1849، ونشأ في أسرة متدينة، فحفظ القرآن الكريم في كتاب القرية، ثم أرسله والده إلى جامع الأحمدي في طنطا ليتلقى علوم الدين واللغة العربية، وهناك تأثر بشيخه جمال الدين الأفغاني، الذي زرع فيه بذور الإصلاح والتجديد.

لم يكن محمد عبده مجرد عالم دين تقليدي، بل كان مفكرًا مستنيرًا، آمن بأهمية العلم والتعلم، وسعى إلى نشر التعليم بين أبناء وطنه، فكان أحد رواد حركة النهضة الفكرية في مصر، ودعا إلى ضرورة فهم الدين فهمًا صحيحًا بعيدًا عن التعصب والجمود، كما نادى بالمساواة بين جميع المواطنين، دون تمييز على أساس الدين أو العرق أو اللون.

 

تجديد الفكر الإسلامي 

ومن أهم إنجازات الإمام محمد عبده، جهوده في تجديد الفكر الإسلامي، حيث دعا إلى الاجتهاد وإعمال العقل في فهم النصوص الدينية، ورفض التقليد الأعمى والجمود الفكري، كما تصدى للأفكار المتطرفة التي انتشرت في عصره، وحارب الخرافات والبدع التي شوهت صورة الإسلام، وكان يقول: "إن الدين الإسلامي دين العقل والمنطق، ولا يمكن أن يتعارض مع العلم أبداً".

وعلى الصعيد السياسي، كان للإمام محمد عبده دور بارز في الحياة السياسية المصرية، حيث شارك في الثورة العرابية، وسعى إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي، كما دافع عن استقلال مصر، ورفض الاحتلال البريطاني، وكان له دور في إرساء مبادئ الدستور المصري، حيث كان عضوًا في الجمعية الوطنية التي وضعت أول دستور مصري عام 1882.

نفي محمد عبده

وعلى الرغم من تعرضه للاضطهاد والنفي بسبب مواقفه السياسية، إلا أن ذلك لم يثنه عن الاستمرار في دعوته الإصلاحية، فظل ينشر أفكاره عبر مقالاته وكتبه، والتي كان لها تأثير كبير في تشكيل الوعي الإسلامي الحديث.

وقد بدأت قصة نفي الإمام محمد عبده في عام 1882، عندما شارك في الثورة العرابية، التي كانت انتفاضة وطنية ضد التدخل الأجنبي في شؤون مصر، وضد الفساد والاستبداد الذي كان سائدًا في عهد الخديوي توفيق، ورغم أن الإمام لم يكن سياسيًا بالمعنى التقليدي، إلا أن إيمانه بضرورة الإصلاح السياسي والاجتماعي دفعه إلى الانخراط في هذه الثورة، وأداء دوره في توعية الشعب بحقوقه، وحثه على المطالبة بها.

ولم يكن غريبًا أن يثير نشاط الإمام محمد عبده حفيظة السلطات آنذاك، وخاصة الاحتلال البريطاني الذي كان يخطط لبسط سيطرته على مصر، فتم اتهامه بالتحريض ضد الحكومة، وبالمشاركة في الثورة العرابية، وصدر قرار بنفيه إلى بيروت، حيث قضى هناك ثلاث سنوات في المنفى.

نشر أفكاره التنويرية

ورغم مرارة النفي، إلا أن الإمام محمد عبده لم يستسلم لليأس، بل حول هذه المحنة إلى منحة، فاستغل فترة نفيه في مواصلة جهوده الإصلاحية، ونشر أفكاره التنويرية، وقد عمل الإمام على نشر العلم والثقافة في بيروت، وأسس الجمعية العلمية الشرقية، التي كانت تهدف إلى إحياء التراث الإسلامي، وتشجيع الدراسات العربية والإسلامية، كما قام بتدريس العلوم الدينية واللغة العربية في المدرسة السلطانية ببيروت، وكان له تأثير كبير على طلابه، حيث زرع فيهم بذور الإصلاح والتجديد.

كما كان للإمام محمد عبده دور مهم في بيروت في مواجهة الأفكار المتطرفة والمتعصبة، حيث تصدى للخلافات الطائفية التي كانت قائمة بين المسلمين والمسيحيين، ودعا إلى الوحدة الوطنية، ونبذ التعصب الديني.

عودته إلى مصر 

وبعد ثلاث سنوات من النفي، سمحت السلطات المصرية للإمام محمد عبده بالعودة إلى مصر، فكانت تلك عودة المنتصر الذي لم تثنه المحن عن مواصلة مسيرته الإصلاحية، وبمجرد عودته استأنف نشاطه في نشر العلم والثقافة، وأسس الجامعة المصرية التي أصبحت فيما بعد جامعة القاهرة، كما تولى منصب مفتي الديار المصرية، فكان مثالاً للمفتي المستنير الذي يجمع بين العلم الشرعي والانفتاح على الثقافات الأخرى.

 

تم نسخ الرابط