الأولى و الأخيرة

موقع الصفحة الأولى

من أكثر الآيات التي استوقفتني وأحدثت في تأثيرا كبيرا، خلال رحلة القراءة في القرآن الكريم، أية: «كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) سورة البقرة، ويبدو من النص أن السؤال هنا ليس للاستفهام، إنما بمعنى التعجب والتوبيخ، أو كما يقول ابن كثير في تفسيره: «يقول تعالى محتجا على وجوده وقدرته، وأنه الخالق المتصرف في عباده: (كيف تكفرون بالله) أي: كيف تجحدون وجوده أو تعبدون معه غيره! (وكنتم أمواتا فأحياكم) أي: قد كنتم عدما فأخرجكم إلى الوجود»، وهذه أول النعم التي يغفل عنها الكثير، وهي نعمة خلقنا من العدم، فنحن لم نكن شيئا، وكنا، بقدرة الله وإرادته، «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ» (82) سورة يس.

ولكن الأمر أوسع من ذلك وأبعد بكثير، فكلما أقرأ هذه الآية الكريمة: «كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ..» أشعر وكأن الله عز وجل يوبخني كيف أنسى نعمه التي أنعم بها علي، ليس فحسب نعمة الخلق والإيجاد من العدم، إنما كل نعمة نعيش بها أو بسببها، والتي ينساها الكثير منا، حتى وإن تذكروا، «وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ» (18) سورة النحل، ولا أقول إني كفرت بها حاشا لله، ولكني عبدا كثير النسيان، كثير الخطأ.

وفي صغري، ومع محاولاتي الأولى لقراءة القرآن الكريم، كنت عندما أتجول بين آياته البينات، أقول لنفسي إن هذا الإله مغرور، حاشا لله، فهو دائم التذكير لنا بأنه أنعم علينا بكذا وكذا وكذا، ويذكرنا بهذه النعمة وتلك، ولكن، عندما كبرت، وفهمت، وأدركت، وأحسست بنعم الله علينا، عرفت أن ما يذّكرنا الله به من نعمه التي أسبغها علينا، ما هو إلا أقل القليل مما نحيا فيه، حتى أنه عز وجل، يقول وإن تعدوا نعمة الله، فقط نعمة واحدة، لن نستطيع أن نحصيها، فما بالنا بكل النعم؟  

ومن نعم الله علينا، كما يعلم الكثير، أنه يرزق الإنسان ويضمن رزقه، آمن به أو كفر، كما جعل مصدر الرزق في السماء وليس في الأرض، كي تطمئن قلوبنا ولا نخشى من انقطاعه، «وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ» (22) سورة الذاريات.

ومن أكبر النعم علينا، أن لنا إلها نلجأ إليه في شدتنا لندعوه، وفي نعمتنا لنشكره، وهي نعمة لا يدركها غير المؤمن، فالله المنعم، والله الرحيم، والله اللطيف، أحق أن نؤمن به ونشكره ونلجأ إليه وندعوه، فالحمد لله رب العالمين.

تم نسخ الرابط