الأولى و الأخيرة

حرب المخابرات بين روسيا وألمانيا

السيطرة علي الرسائل الإلكترونية لـ"البوندستاج" وتمكين بوتين من التسلل لـ«قلب ميركل»

موقع الصفحة الأولى

للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بوصفه ضابط مخابرات سابق، مقولة شهيرة تقول "التجسس والدعارة ليستا وليدتا اليوم، لعلهما أهم المهن في العالم".
ولأنه يعلم تماما أهمية جمع المعلومات في السلم والحرب علي حد سواء، فقد واصلت أجهزة المخابرات الروسية ضرباتها الموجعة لدول الاتحاد الاوروبي.
وفي حلقة جديدة من حلقات حرب المخابرات او كما يسميها الخبراء الأمنيون "حروب الظل"، بدأت وزارة الدفاع الألمانية التحقيق في التنصت على مناقشات سرية بين ضباط رفيعي المستوى في قواتها الجوية بشأن الحرب في أوكرانيا، وذلك بعد بث محادثة على شبكات التواصل الاجتماعي بين ضباط ألمان حول إمكانية استخدام أوكرانيا صواريخ ألمانية الصنع.
المكالمة التى بثت علي مواقع التواصل الاجتماعي جاءت ضربة موجهة من المخابرات الروسية الى نظيرتها الألمانية، استدعت خروج المستشار الألماني أولاف شولتز ليؤكد أمام  العالم أن ألمانيا تحقق بعمق في تسريب هذا التسجيل، قائلا: هذه مسألة خطيرة للغاية ولهذا السبب أصبحت الآن موضوع تحقيق دقيق وشامل وسريع.


تسريب روسي متعمد


واعترفت وزارة الدفاع الألمانية بصحة المكالمة المسربة، حيث اكد المتحدث باسم وزارة الدفاع أنه التُقطت محادثة سرية للقوات الجوية، بعد الكشف عن هذا التسجيل، مشيرا الى أن التحقيقات جارية فيما إذا كانت الاتصالات المرتبطة بالقوات الجوية قد تُنصّت عليها، وأن جهاز مكافحة التجسس العسكري يتخذ جميع التدابير اللازمة.
وحسب وسائل إعلام ألمانية، فإن القضية ظهرت بعد بثها، على حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الروسية المقربة من الكرملين، ونشرت قناة آر تي الروسية ملفا مدته أكثر من نصف ساعة، قدمته على أنه تبادل بين جنود ألمان يناقشون ضربات تستهدف شبه جزيرة القرم.
وتحث المشاركون في هذه المحادثة، عن فرضية استخدام القوات الأوكرانية لصواريخ توروس الألمانية البعيدة المدى لتأثيرها المحتمل، لا سيما إذا استهدفت أهدافا مثل جسر القرم الذي يربط شبه الجزيرة مع الأراضي الروسية، ويشير أحد الضباط إلى أن الأمر يكفيه ما بين 10 و20 صاروخا.
كما ناقش المشاركون في المحادثة المسربة تفاصيل شحنات صواريخ سكالب البعيدة المدى من فرنسا وبريطانيا إلى أوكرانيا، ويعد هذا الجزء من عملية التنصت هو الأكثر إحراجا لبرلين لأنه يكشف أسرار الدول الحليفة.
واكد خبراء أمنيون أن التسجيل حقيقي، ويمثل كارثة بالنسبة لأجهزة المخابرات الألمانية المتهمة بالإهمال في إجراءاتها الأمنية، وتشير معظم الأراء الي أن التسريب جاء متعمدا من جانب روسيا، لاسيما بعد تصريح دميتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي الذي قال فيه "إن خصومنا القدامى الألمان أصبحوا مرة أخرى أعداءنا اللدودين"، وفق تعبيره.


القبض على ضابط ألماني


رودريش كيسفيتر، الخبير في قضايا الدفاع من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ألمانيا أكد أيضا أن النقاش أُعلن عنه عمدا من روسيا في هذه اللحظة بالذات بهدف محدد للغاية، وهو إنهاء الجدل الدائر في ألمانيا حول تسليم صواريخ توروس إلى كييف.
لم تكن هذه هي المرة الأولي التي يتعرض فيها الجيش الألماني للاختراق، ففي أغسطس الماضي أعلنت النيابة العامة الفدرالية الألمانية القبض علي ضابط يعمل في الجيش في مدينة كوبلنز بشبهة تجسسه لصالح روسيا، وهي القضية التى هزت الأوساط الألمانية وقتها، خصوصا وان الضابط عرض خدماته على جهات روسية عديدة من بينها السفارة الروسية في برلين.
وبحسب التحقيقات عمل المتهم في قسم المعدات وتكنولوجيا المعلومات في الجيش، وقسم تقديم الدعم خلال الخدمة، وفي مايو 2023 اتصل بالقنصلية العامة الروسية في بون وبالسفارة الروسية في برلين وعرض تعاونه، وأثناء ذلك، مرر معلومات حصل عليها خلال أنشطة عمله إلى جهاز الاستخبارات الروسي.

التسلل لـ «قلب ميركل»


وفي مايو 2020، وجهت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل تحذيراً غير مسبوق لموسكو من مغبة مواصلتها هجمات التجسس واسعة النطاق على ألمانيا، وذلك بعد القبض علي عميل روسي يدعي ديمتري بادين، بتهمة التورط في القرصنة الإلكترونية التي تعرض لها النظام المعلوماتي لمقر البرلمان "بوندستاج" في فبراير 2015، حيث استولي القراصنة الروس على الرسائل الالكترونية للنواب، وتمكين بوتن من التسلل إلى قلب أجهزة الكومبيوتر في مكتب المستشارة ميركل بمقر البرلمان ووضع برمجيات خبيثة فيها.
وبعد خمس سنوات من العمل الاستقصائي المضني من قبل المكتب الألماني للشرطة الجنائية والشرطة الاتحادية والسلطات الأمنية الأخرى، تم استصدار أمر باعتقال العميل الروسي في صك اتهام موثق في أكثر من 50 صفحة، والتى أكدت أنه لم يقترب جاسوس أجنبي من مستشار ألماني كما فعله الروس وقتها..
التحقيقات أكدت أيضا أن الهجوم على الـ "بوندستاج" قضية بالغة الخطورة، واعتبرت المحكمة التجسس على البرلمان، هجومًا على المؤسسة التشريعية لجمهورية ألمانيا، وبالتالي ضربا لقلب الدولة الألمانية، نفذته المخابرات العسكرية الروسية.
ورجحت التحقيقات أن يكون نفس العميل هو من شارك في قرصنة الحملة الانتخابية الرئاسية للحزب الديمقراطي الأمريكي عام 2016 وبالتورط في عمليات تجسس أخرى، من بينها عملية استهدفت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية.
واكدت أن الهجوم على البرلمان الألمانى بدأ بحيلة، إذ تلقى النواب رسالة إلكترونيًا زائفة زعمت أن مصدرها الأمم المتحدة، بمضمون يتعلق بالصراع بين روسيا وأوكرانيا.
وبمجرد النقر على رابط التقرير المزعوم يتم الوصول لصفحة محملة ببرامج خبيثة.
ورغم أن الاتهام بالتجسس علي ألمانيا أضر بصورة الرئيس فلاديمير بوتين في الخارج، إلا أنه يوجه رسالة قوية للعالم بأن الدولة الروسية حاضرة في كل الجبهات.

تم نسخ الرابط