الأولى و الأخيرة

في ذكري منع إنشاء جامعة يهودية بالقدس

السلطان عبدالحميد الثاني .. تناقضات تاريخية في قصة حياة بائع فلسطين لليهود

موقع الصفحة الأولى

علي عكس بعض السلاطين العثمانيين، وقف السلطان عبدالحميد الثاني ، ضد أحلام اليهود بإنشاء وطن قومي في فلسطين، وهو ما كان سببا في خلعه ووضعه تحت الإقامة الجبرية.
هذه هي الرواية الأكثر تداولا عن تاريخ هذه الحقبة التي أسست لضياع فلسطين، لكن روايات أخري اتهمت السلطان عبدالحميد الثاني ببيع فلسطين لليهود، علي الجانب الآخر يصفه البعض بأنه بائع فلسطين لليهود.
السلطان عبدالحميد الثاني هو السلطان الرابع والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية، تولى الحكم في 31 أغسطس من عام 1876، وكان آخر من امتلك سلطة فعلية في الدولة العثمانية وتم خلعه بعد انقلاب ضده في 27 أبريل 1909، ووضع تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته في 10 فبراير 1918، ليتسلم أخوه محمد الخامس الحكم من بعده.
عندما تولى السلطان عبد الحميد الثاني الحكم العثماني، كان هناك نحو 14 ألف يهودي في فلسطين تمكنوا من إقامة أول مستوطنة لهم في "بتاح تكفا".
وبالتزامن مع إجبار اليهود على الخروج من روسيا بعد مؤامرة ضد القيصر، أبدي السلطان عبدالحميد الثاني تخوفا من تزايد هجرتهم نحو فلسطين، لاسيما مع ظهور حركة "أحباء صهيون" وبدء وساطة الدول الأوروبية، وخاصة بريطانيا وفرنسا، لدي السلطان للسماح للحركة وأنصارها من اليهود بالعيش في الدولة العثمانية.
إلا أن السلطان عبدالحميد الثاني وافق على إقامة اليهود في أراضي الدولة العثمانية، باستثناء فلسطين، ثم تدخل السفير الأمريكي ووجه اللوم والعتاب للسلطان بسبب هذا الشرط لكن السلطان أجاب عليه بأنه لن يسمح لليهود بالاستيطان في فلسطين ما دامت دولة الخلافة العثمانية قائمة.

تناقضات السلطان العثماني


ولكن السياسة التي اتبعها السلطان عبدالحميد الثاني تجاه الهجرة اليهودية إلى فلسطين، تميزت بالتناقضات الشديدة في أوامر المنع وفشل التدابير العملية في وقف الهجرة، حيث نما النفوذ اليهودي قي فلسطين وتوسع الصهاينة في تملك الأراضي والعقارات.
ووفقا لدراسة تاريخية للباحثة فدوى نصيرات، نشرها مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت عام 2014، تحت دور السلطان عبد الحميد الثاني في تسهيل السيطرة الصهيونية على فلسطين، سجلت الدولة العثمانية ممثلة بالسلطان عبد الحميدالثاني أول موقف رسمي معلن من الهجرة اليهودية إلى فلسطين في نيسان عام ١٨٨٢ بعد تزايد أعداد المهاجرين اليهود من أوروبا الشرقية إليها، إذ أعلنت أنه لن يسمح لليهود المهاجرين إلى أراضيها بالاستقرار في فلسطين، بل يمكنهم أن يهاجروا إلى داخل اي ولاية عثمانية أخرى وأن يستقروا فيها كما يريدون، بشرط أن يصبحوا رعايا عثمانين، وأن يقبلوا فرمانات الإمبراطورية العثمانية عليهم، ووفقا لهذه الفرمانات كان يمكن إعطائهم الأراضي الحكومية معفاة من الرسوم، كما أعفوا من الضرائب والخدمة العسكرية وأعطوا حرية ممارسة شعائرهم الدينية شأنهم شأن بقية الرعايا. 
وكان يمكن لليهود الاستقرار بمجموعات لا تتجاوز ١٥٠عائلة فى المنطقة الواحدة .
هنا تدخلت الولايات المتحدة لأول مرة لمصلحة اليهود، وذلك في ١٢ يونيو ١٨٨٢ ، فكان جواب الخارجية العثمانية أن الموضوع لا يزال قيد البحث لدى السلطان عبد الحميد الثاني، وأن مجلس الوزراء العثماني يسمح لليهود والاستيطان فى أى مكان من الدولة العثمانية باستثناء فلسطين بشرط أن يصبحوا رعايا عثمانين، وأن ينفذوا الفرمانات العثمانية. 
وفي ٢٩يونيو ١٨٨٢ قامت الدولة العثمانية بتنفيذ قرارات منع الهجرة إلى فلسطين بأن أبرقت إلى متصرف القدس تطلب منه عدم السماح لليهود الذين يحملون جنسيات كل من روسيا ورومانيا بالاستقرار في فلسطين كونهم غير مرحب بهم، كما اتخذت الإجراءات ذاتها في اللاذقية وبيروت وحيفا .
وفي العام نفسه صدر القرار بمنع بناء المستعمرات لليهود الروس في فلسطين، ثم ابلغت البعثات الدبلوماسية لدى الباب العالي رسمياً بقرار مجلس الوكلاء "الوزراء" العثماني الذي يقضي بمنع اليهود الروس من استيطان فلسطين . 

وطن قومي لليهود


قدمت الدولة العثمانية كثير من التبريرات توضيح قرار المنع، لكن السبب الرئيسي الذي دفع الحكومة العثمانية إلى اتخاذ القرار هو الخوف الذي لازم السلطان عبدالحميد الثاني من احتمال ظهور مشكلة قومية فى أراضيها تزيد من مشكلاتها التى لازمتها منذ بداية القرن التاسع عشر فى حروبها مع دول البلقان.

وبحسب المصادر التاريخية، فقد تمكن نحو 2.5 مليون يهودي من الهجرة من روسيا وأوروبا وعاشوا في الإمبراطورية العثمانية وأوروبا وأمريكا الشمالية في هذه الأثناء، بينما لم يتمكن سوي 55 ألف يهودي فقط من التسلل إلى فلسطين خلال هذه الفترة الزمنية حيث سمح لهم السلطان عبد الحميد بزيارة الأماكن المقدسة دون الإقامة، ومع فشل التدابير التنفيذية تزايدت الأعداد لأضعاف هذا الرقم.
في عام 1882 قامت بريطانيا باحتلال مصر، ومع هذا الاحتلال، انتقل يهود فرنسا تحت قيادة المليونير اليهودي إدموند دير روتشيلد فقاموا بتأسيس حركة دعم مالي للاستيطان اليهودي في فلسطين، و نشر جيود ليوبنسكر اليهودي كتابه "التحرر الذاتي" الذي دعا من خلاله إلى إنشاء وطن قومي لليهود رافضًا اندماجهم في البلدان التي هاجروا إليها.
وفي هذه الأثناء بدأت فكرة الدولة اليهودية وبدأ المزيد من اليهود بالتسلل إلى فلسطين، وهو ما لاحظه الشعب الفلسطيني مع تزايد تحركات اليهود، فكان أول نزاع مسلح بين المزارعين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود في عام 1886.
ومع اتساع رقعة النزاع، بدأت الصحف العربية تنشر تحذيرات من الخطر الذي يشكله المهاجرون اليهود على فلسطين، وفي محاولة منه لضبط الأوضاع قام السلطان عبدالحميد بالضغط على اليهود لمغادرة فلسطين.
ولكن الدول الأوروبية بدأت هي الأخرى في الضغط على السلطان للسماح لهم بالبقاء بشكل فردي وليس في مستوطنات، وبناءا علي ذلك صدر القرار العثماني الشهير عام 1888 والذي نص على، منع الهجرة اليهودية الجماعية إلى الأراضي العثمانية، ومنع الزائرين للقدس الشريف من الإقامة في فلسطين لأكثر من 3 أشهر.
ومع ذلك تغلغل الصهاينة على أرض فلسطين، سواء عبر شراء الأراضي أو بناء المستعمرات، وتأسيس البنوك والشركات الكبرى التي شكلت نواة الدولة الصهيونية لاحقا، حيث كان يجري الالتفاف على هذا الحظر العثماني وكان المهاجرون يصلون إلى فلسطين بصفتهم حجاجا، ومقابل دفع الرشاوي كان يستقرون في البلاد.


جمعية الاستعمار اليهودي


وفي عام 1891، بدأت جولة جديدة مع تأسيس البارون اليهودي الألماني موريس دي هيرش جمعية الاستعمار اليهودي.
وبدأ اليهود في بناء المستوطنات علي الساحل الفلسطيني، ولكن السلطان استعاد السيطرة على الساحل وطرد اليهود، وأصدر في عام 1892 قانونًا يمنع اليهود من شراء الأراضي في فلسطين، حتى لو كانوا من اليهود العرب، ورغم ذلك تمكن اليهود من شراء أراضي شاسعة في كل المدن والقرى الفلسطينية.
ظهر الكاتب اليهودي المجري تيودور هرتزل عام 1897، وعقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بعل السويسرية،ودعا المؤتمر إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
وفي هذا التوقيت اندلعت الحرب اليونانية العثمانية، وأفلست الدولة العثمانية بسبب الأزمات الهائلة فاستغل تيودور هرتزل هذه الفرصة وجمع مبالغ كبيرة من المال، وقدم للسلطان العثماني عبر سفيره في فيينا تبرعا كبيرا مقابل السماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين.
وكان رد السلطان عبدالحميد الثاني بحسب بعض المصادر التاريخية، أنه لا يستطيع التخلى عن شبر واحد من الأرض، فهي ليست ملك يمينه، بل ملك الأمة الإسلامية التي جاهدت في سبيلها وروتها بدمائها.
وفي 3 مايو عام 1902رفض السلطان عبد الحميد الثاني أيضا اقتراحًا من تيودور هرتزل بإنشاء جامعة يهودية في القدس، كان يعرف وقتها أنها حلقة من حلقات المخطط الصهيوني للدخول إلي أرض فلسطين. 
ويري بعض المؤرخين أنه في ظل وقوف السلطان عبدالحميد الثاني حجر عثرة أمام تنفيذ فكرة الوطن القومي لليهود، بدأت محاولات متكررة لاغتياله، ونشط اليهود في الداخل التركي من خلال جمعية تركيا الفتاة، وقامت الجمعية باستقطاب العديد من القادة العثمانيين لطرفها في البرلمان، حيث قاموا بعزل السلطان عبد الحميد الثاني، وأصبحت مفاتيح الحكم الفعلية بيد حزب الاتحاد والترقي، والسلطة أصبحت مجرد منصب شكلي لا دور له، وأصبح داخل الحكومة العثمانية المكونة من 13 وزير، أصبح هناك ثلاثة وزراء من اليهود.
وتم عزل السلطان عبد الحميد الثاني، ونفي وتوفي بعد ذلك في مدينة اسطنبول في 10 فبراير 1918.
تناقضات عديدة اكتنفت قصة حياة السلطان عبدالحميد الثاني، فمع كل هذه المواقف والقرارات التي اتخذها، إلا أنه سمح بإقامة المستعمرات الصهيونية علي أرض فلسطين بحيث تجاوزت ٦٨ مستعمرة زراعية و33 قومبانية في نهاية عهده.

تم نسخ الرابط