مدفع الإفطار.. اضرب
مدفع رمضان .. الصدفة تصنع أهم رموز شهر الصوم فى العالم الإسلامى
أصبح مدفع رمضان كغيره من العادات التى ارتبطت بشكل وثيق مع شهر الصوم فى معظم الدول العربية والإسلامية، واحدا من أهم الرموز التى تشكل ذكرياتنا مع الشهر الكريم.
صار المدفع جزء أصيل من شهر رمضان وطقوسه الاجتماعية، مع آذان المغرب وقت الفطار، وفي وقت الإمساك قبل آذان الفجر، ليعلن بدء صيام يوم جديد.
والمدافع على اختلاف عيارها ومداها ومعدلات إطلاقها النيرانى تستخدم البارود لدفع القذائف، فتخرب المدن وترهب الناس، إلا مدفع رمضان فإنه يشيع البهجة وينشر الفرحة فى نفوس المسلمين.
أول ضربة مدفع
وبحسب معظم المراجع التاريخية، يعود تاريخ استخدام مدفع رمضان إلى العاصمة المصرية القاهرة في عام 865 هجرية – 1455 ميلادية، عندما سمع اهالى المحروسة بمحض الصدفة صوت أول ضربة مدفع التى جاءت بالتزامن مع صوت أذان المغرب في رمضان.
كانت الصدفة وحدها وراء إنطلاق صوت المدفع فى ذلك التوقيت، حيث أراد الوالي المملوكي في هذا الوقت "خشقدم" أن يجرب مدفعًا جديدًا وصل إليه كهدية من أحد المصانع الغربية، فسمعه الناس بوضوح واعتبروه إيذانا بآذان المغرب وميعاد إفطار الصائمين وأعجبتهم الفكرة.
وفي اليوم التالي سمع والي مصر خشقدم أثر ما حدث في اليوم السابق، وعلق الأهالي ومشايخ الحارات على هذه اللفتة العظيمة من الوالي، ففرح بهذا الثناء وأصدر قرارا بضرب المدفع يوميا في رمضان وقت الإفطار.
غير أن هذه القصة لم تكن الوحيدة عن أول استخدام للمدفع فى شهر رمضان؛ فهناك رواية أخرى مشابهة للرواية الأولى مع اختلاف في الشخصيات والطريقة تعود إلى عصر محمد على باشا عام 1805، تقول أن تاريخ استخدام مدفع رمضان، عندما اشترى محمد على باشا مجموعة من المدافع والأسلحة لتجهيز الجيش، وعندما كان يجرب أحد المدافع صادف هذا انطلاق أذان المغرب في شهر رمضان، وطلب الناس من الوالي الاستمرار على إطلاق المدفع كل يوم مع أذان المغرب للإعلان عن وقت الإفطار كل يوم، ووافق على ذلك حيث كان يستخدم الذخيرة الحية، ومنذ ذلك الوقت ارتبط صوت المدفع بوقت الإفطار في شهر رمضان المبارك.
تتعدد الروايات ولكن تظل الصدفة البحتة هى البطل الرئيسى لكافة الحكايات التى تروى لنا أول استخدام لمدفع رمضان، فهناك رواية ثالثة تفيد بأن ظهور المدفع جاء عن طريق الصدفة أيضا ولكن فى عهد الخديوى اسماعيل ، فلم تكن هناك نية مبيتة لاستخدامه لهذا الغرض على الإطلاق، حيث كان بعض الجنود في عهد الخديوي إسماعيل يقومون بتنظيف أحد المدافع، فانطلقت منه قذيفة دوت في سماء القاهرة، وتصادف أن كان ذلك وقت أذان المغرب في أحد أيام رمضان، فظن الناس أن الحكومة اتبعت تقليدًا جديدًا للإعلان عن موعد الإفطار، وصاروا يتحدثون بذلك، وقد علمت الأميرة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل بما حدث، فأعجبتها الفكرة، وأصدرت فرمانًا يفيد باستخدام هذا المدفع عند الإفطار والإمساك وفي الأعياد الرسمية، ولذلك أطلق المصريون على مدفع رمضان اسم الحاجة فاطمة.
من القاهرة للعالم
ذاعت الفكرة وانتشرت المدافع، وأصبح في القاهرة وحدها وحتى الآن ستة مدافع في أماكن مختلفة، 2 في القلعة، و2 في العباسية، وواحد في مصر الجديدة، وواحد في حلوان، كما انتشرت مدافع الافطار فى عدد من عواصم المحافظات المصرية والمدن الكبرى.
وخرجت فكرة مدفع رمضان من مصر فلم تعد رمزًا خاصًا تتفرد به القاهرة فقط، وإنما انتقلت هذه الفكرة إلى بلاد الشام أولًا، ثم إلى بغداد في أواخر القرن التاسع عشر، ومنها إلى دول الخليج العربي، وكذلك إلى غرب أفريقيا مثل تشاد والنيجر ومالي ودول شرق آسيا حيث بدأ مدفع الإفطار عمله في إندونسيا سنة 1944، ووصلت الفكرة مع المسلمين المهاجرين أيضا الى بعض الدول الأوروبية.
فإلى جوار برج برج الساعة في مدينة ساراييفو عاصمة البوسنة والهرسك يطلق مدفع رمضان عند دخول موعد المغرب ليعلن للمسلمين فى المدينة انتهاء الصيام ودخول وقت الفطور.
وأصبح مدفع رمضان بصورته التقليدية رمزا للإحتفال والبهجة وعادة من عادات شهر رمضان الروحانية، على عكس الهدف من صناعته كأداة للموت ووسلة للتخريب والدمار.
ولم يتوقف استخدام المدفع عند وقت الإفطار والسحور فقط في رمضان، وانما تم استخدامه أيضا للاحتفال بمناسبات عدة، فى المولد النبوي الشريف، وفى عيد الأضحى، ورأس السنة الهجرية، كما أصبح رمزا احتفاليا أيضا فى كافة الاعياد الوطنية.
وصارت المدافع تخرج في المواكب والاحتفالات الكبيرة وفي كل مناسبة كانت توضع فوق عربات تجرها الخيول لبث البهجة فى نفوس المواطنين.