الكل، تقريبا، يكتوي بنار الأسعار، من معه نقودا، مثل من لا يمتلكها، من يعمل، ومن على قوة العاطلين، من يملك، ومن لا يملك.
وأصبحت نار الأسعار تكوي الجميع، بعدما اختار الجنيه المصري طريق الهبوط، وأصبحت النقود، وإن كثرت، لا قيمة لها، لنعيش جميعا أزمة معيشية خانقة، تضغط على أعصابنا، وتجعل الكل يلهث وراء لقمة العيش، سعيا لتلبية ولو جزء من احتياجاته واحتياجات من يعول.
وبغض النظر عن أسباب الأزمة التي نكتوي بنارها، وعن طرق حلها وعلاجها، وهل تعمل الدولة عليها بالفعل أم تسير في طريق آخر، وعن دور رجال الأعمال أو القادرين أو من يملكون أموالا فائضة عن حاجتهم، ومنهم ويساند ويكفل ويتضامن مع من يستطيع، ومنهم، وهم الكُثر، من يعيش في واد آخر، أو كأنه في مجتمع أو بلد آخر، وأصبح البعض يعيش ثقافة "الكومباند" وحتى ولو لم يسكن فيه، فالمهم عنده أن يكفي احتياجاته ومتعه ورفاهيته، وليس مهما من يعيش خارج ذلك الكومباند، وليس مهما من يجوع أو يعرى أو لا يجد ما ينفقه على أولاده وأسرته من مصاريف معيشة وتعليم وغيرها وغيرها.
بغض النظر عن كل ذلك، أصبح واجبا علينا نحن من نملك قوت يوما بالكاد، أن نتضامن ونساعد "المحرومين"، حتى وإن نسانا "المقتدرون".
نعم، أصبحنا كلنا نعاني، كل من يعمل ويتقاضى راتبا أو دخلا ثابتا، يعاني مع ارتفاع الأسعار المستمر ومع غلاء المعيشة الفاحش، ولكنه في النهاية يمتلك دخلا ثابتا حتى وإن لم يكف، وهو بالفعل لا يكفي، في مقابل الكثير الذين لا يعملون ولا يمتلكون دخلا ثابتا، او هم ممن يطلق عليهم "على باب الله"، فيعملون يوما ويتعطلون أياما، وعندما يعملون لا يملكون الدخل الثابت مثل غيرهم، ومنهم الذين يعيشون "على فيض الكريم"، كما يقال، فأين عباده الكرماء وإن افتقروا؟ وأين عباده المتراحمون وإن قست عليهم الحياة؟
فما نعيشه الآن، هو أكثر الأوقات التي نحتاج فيها للتضامن مع بعضنا البعض، فمن كان يفعل خيرا، أو يساعد غيره، فعليه ألا يتوقف، حتى ولو كان العبء أشد وأثقل، فهناك من هم في أشد الحاجة للمساعدة أو التضامن، ولو بأقل القليل.
وهذه الدعوة ليست مجرد دعوة للتصدق أو إخراج الزكاة، فأحكام الدين معروفة، ومنهجه واضح للجميع، وحثه وتشجيعه على إخراج الصدقات، وأوامره بإتيان الزكاة معروفة للجميع، وهي أيضا ليست دعوة بديلة عن دور الدولة المعروف للكافة، ولكنها دعوة للتكافل والتراحم، بين من يملك القليل، ومن لا يملك أي شيء، دعوة "للطبطبة" بين من يعيشون على خط الفقر، ومن يعيشون تحته.
فمع تخلي الكبار عن هؤلاء وهؤلاء، أصبح التضامن بين من هم تحتهم واجبا ومحتما، فلا نتجبر أو نتكبر على بعضنا، بل نساعد بعضنا، ونساند بعضنا، ونطبطب على بعضنا، حتى يكشف الله الغمة، وينصلح الحال، فيبقى الود بين الرحماء موصولا، فيرحمهم الرحمن برحمته.