الأولى و الأخيرة

فتح وحماس في بكين

لأول مرة في تاريخ الخلاف الفلسطيني.. دبلوماسية التنين تتوغل بين الفراغات الأمريكية

موقع الصفحة الأولى

لأول مرة في تاريخ الخلاف الفلسطيني – الفلسطيني، وربما لأول مرة في تاريخ القضية الفلسطينية تستضيف العاصمة الصينية بكين لقاءً خاصا بالقضية الأكبر في تاريخ الشعوب..
ففي يوم الجمعة (26 إبريل 2024) عقد لقاءً بين حركتي حماس وفتح بالعاصمة بكين بدعوة من الإدارة الصينية لرأب الصدع الفلسطيني الداخلي، والذي بدأ في العام 2007 بسبب فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس بالانتخابات البرلمانية وتشكيلها للحكومة، وهذا مالم يرتضيه كبرياء حركة فتح فحدث الانقسام الذي بدأ سياسيا ثم حربيا ثم بات أزمة مزمنة انقسمت معها الفصائل والشعب والأرض إلى قطاع غزة الحمساوي والضفة الفتحاوية.
دعوة بكين لعقد لقاء للمصالحة جاء بعد لقاء في شهر مارس الماضي، في قطر التقى خلاله الدبلوماسي الصيني وانغ كيجيان برئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية. 
ويأتي بعد لقاء غير مثمر عقدته موسكو في نهاية فبراير الماضي (2024) لتحقيق المصالحة وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كافة الفصائل وإعادة إعمار قطاع غزة.. والذي سبقه لقاءات متكررة في مصر وعواصم إقليمية على مدى العقود الماضية وانتهت بلا جدوى. 
وقد تنجح الصين فيما فشل فيه الأخرين فهي رغم علاقتها التاريخية بمنظمة التحرير وحركة فتح منذ التأسيس في ستينيات القرن الماضي، تقف على مسافة واحدة من الفصائل الفلسطينية.. وهذا ما وضح من تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانج وينبين، يوم الجمعة، بقوله "ندعم تقوية السلطة الوطنية الفلسطينية، وندعم كل الفصائل الفلسطينية لتحقيق المصالحة، وزيادة التضامن عبر الحوار والتشاور".
 

 دوافع النجاح  
 

كما أن بكين ترى الفصائل الفلسطينية على اختلاف مناهجها السياسية حركات تحرر وطنية وترفض وصفها بمنظمات إرهابية وهذا ما قاله مندوبها بمجلس الأمن " إن الفصائل الفلسطينية تمارس حقا مشروعا للاستقلال وإنهاء الاحتلال" وذلك عندما، وقفت إلى جانب روسيا باستخدام الفيتو بمجلس الأمن الدولي لمنع صدور قرار يدين حركة حماس والفصائل الفلسطينية بسبب عملية طوفان الأقصى.
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وإعلان مصر عن نية تل أبيب في تهجير الفلسطينيين قسراً لسيناء أعلنت بكين رفضها أي تهجير قسري أو عقاب جماعي للفلسطينيين في غزة.
فضلا عن ذلك فإن الصين تساند القضية الفلسطينية منذ زمن وقد بدى ذلك بوضوح خلال الفترة الأخيرة.. ففي فبراير الماضي، حثت بكين محكمة العدل الدولية على إبداء رأيها في الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، الذي قالت بكين إنه غير قانوني.. وضغطت الصين من أجل انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة، وهو ما قال عنه وزير خارجيتها إنه تصحيح لظلم تاريخي طال أمده..
وتكثف الصين جهودها في الوقت الراهن بالمنتديات والمحافل الدولية والأممية للدفاع عن الفلسطينيين وحقوقهم، وتدعوا لعقد مؤتمر سلام فلسطيني إسرائيلي واسع النطاق، ووضع جدول زمني محدد لتنفيذ حل الدولتين.
 

 رسائل بكين لواشنطن وأوروبا 
 

وتأتي المساعي الصينية لحلحلة الانقسام الفلسطيني رسالة جديدة لواشنطن والعواصم الأوروبية الغربية بأنها ليست تنيناً اقتصاديا فقط، فهي أيضاً تنينا دبلوماسياً، له علاقات ومصالح متشابكة ويتمتع بثقة دافئة مع دول الشرق الأوسط خاصة العربية منها وإيران، ولما لا ألم تنجح في التقريب بين السعودية وإيران وإزالة جبال الجليد التي بنتها أمريكا ودول أوروبا؟ 
الصين كما بنت قمتها الاقتصادية في هدوء مفاجئ وأصبحت قطبا صناعيا وتجاريا وتمكنت من غزو الولايات المتحدة وأوروبا بمنتجاتها قادرة أيضا على أن تكون بديلا لهم في دول العالم الثالث التي تنظر لبكين على أنها دولة تسعى للنهوض الاقتصادي بالبلدان وليس احتلال وتدمير مقدراتها كما تفعل دول أوروبا وأمريكا.
دخول الصين على خط الانقسام الفلسطيني أي التدخل في شأن داخلي هي رسالة بأنها قوة عالمية كبرى تشكل قطبا يقابل القطب الرأسمالي الأميركي الأوروبي قوة لها مصالحها ورؤيتها، القائمة على نصرة الضعيف ومساعدته لتحقيق أحلامه المضطهدة منذ زمن بفضل تجاهل الأنظمة الأمريكية والأوروبية لها بدعم الاحتلال وترسيخه، وهو أمر بات واضحا للجميع في أعقاب طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والهجمات الإرهابية للمستوطنين وقوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني بالضفة.
الصين وفقا لمحللين ترى في نفسها القدرة والرغبة على التدخل في الشأن الفلسطيني باعتباره شأنا إقليميا وعالميا، وبالتالي ستترجم قوتها الاقتصادية إلى قوة سياسية.. كما أن سياستها لا تقوم على ممارسة الضغوط على الأطراف لخلق بيئة إيجابية للحوار.
 

 هل تنجح؟
 

ويبقى السؤال.. هل تنجح الصين فيما فشلت فيه دولا عربية وإقليمية على مدى سنوات؟ 
هل ستمنح فتح أو حماس للصين شرف تحقيق المصالحة التي تسعى مصر لتحقيقها منذ عقود ومارست ضغوطا على الطرفين بما تمتلكه من مقومات تسمح لها بذلك(؟) 
مصر التي تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها الأم وأم القضايا وأنها جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري هل ستقبل بذلك؟  
ولا تنسى قطر التي تستضيف المكتب السياسي لحركة حماس وأنفقت مليارات الدولارات لإعمار قطاع غزة وتقديم الدعم المادي لسكان القطاع.  
بعض، بل كثير من المحللين غير متفائلين بتحقيق نتيجة خاصة وأن الوجوه التي تفاوضت في مصر والعواصم الأخرى لم تتغير، موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي لحركة حماس وعزام الأحمد أحد قادة حركة فتح يقودان المفاوضات والمباحثات التي قادوها على عقود. 
خلاصة القول.. نعم الصين تدعم المصالحة بين الفصائل الفلسطينية عبر الحوار، وحصول فلسطين على العضوية الكاملة بالأمم المتحدة، وإعلان دولة فلسطين.. ومساندة العرب في قضاياهم، لكنها في نهاية المطاف تستغل الفراغات الموجودة بين ثنايا السياسة الأمريكية والأوروبية بالمنطقة القائمة على الانحياز وإيقاظ الفتن وتأليب الصراعات الداخلية وزرع الإرهاب والتطرف لتحقيق إنجاز عجزت واشنطن وعواصم أوروبا عن حله أو فتنة زرعتها وأيقظتها كما كان حال طهران والرياض لتقول الصين في نهاية المطاف "إنها ليست تنينا اقتصاديا فقط وإنما تنينا سياسيا سيزاحهم خلال الفترات القادم وربما يتفوق عليهم".   
 

تم نسخ الرابط