الأولى و الأخيرة

تعددت الأسباب والحجب واحد

منع الإذاعة المصرية للأغاني.. بين قواعد اللعبة السياسية والذوق العام

موقع الصفحة الأولى

لأسباب كثيرة سياسية ودينية وأخلاقية، تم منع عددًا من الأغاني لكبار الفنانين والمطربين بالإذاعة المصرية التي كانت المنصة الأهم إن لم تكن الوحيدة - في فترة تاريخية سابقة - لبث وإذاعة الأغاني، وبالتالي المتحكم الأول في مدي شهرة المطرب وانتشاره لدي الجماهير العربية من المحيط للخليج.
الرقابة علي المصنفات الفنية لم يكن لها اليد الطولي مع معظم الأغاني الممنوعة، وإنما عادة ما كان قرار المنع يأتي إلي المسؤولين فيها فوقيا من جهات سيادية لمنع أغنية ما دون حتى إبداء أسباب وجيهة لهذا المنع.
وكان المنع أيضا مختلف فى مستوياته، فالمنع من قبل الرقابة على المصنفات الفنية، يعنى منع العمل تمامًا فى كل الوسائط الجماهيرية مثل الإذاعة و الحفلات والاسطوانات وكذلك أفلام السينما والتليفزيون، أما اعتراض الإذاعة المصرية على أغنية ما ومنعها، فذلك يعنى عدم تقديمها فقط من خلال الإذاعة المصرية، ويمكن تقديمها من خلال باقى الوسائط.

مطربة العصر البائد

الكاتب الصحفي الراحل مصطفى أمين يروي في لقاء نادر مع التليفزيون المصري، عن كواليس واقعة وقف عرض أغاني أم كلثوم بالإذاعة وعزلها من منصبها كنقيب للموسيقيين، عقب ثورة يوليو 1952.
وقال مصطفى أمين أنه تلقى مكالمة من أم كلثوم، أبلغته فيها بصدور قرار منع إذاعة أغانيها وعزلها من النقابة، وهو ما جعله يتوجه إلى مكتب جمال عبد الناصر، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية في ذلك الوقت، وسأله عن حقيقة إصدار مجلس قيادة الثورة لتلك القرارات.
أضاف أن جمال عبد الناصر لم يصدقه وسأله أن كانت الصحافة تنوي البدء في إطلاق الشائعات عن الثورة، ليجيبه أن أم كلثوم هي من أبلغته بذلك الأمر، وهو ما دفع عبد الناصر أن يستدعي إلى مكتبه؛ المشرف على الإذاعة للتأكد من حقيقة ما ذكره مصطفى أمين.
تابع مصطفى أمين أن المشرف على الإذاعة أكد لجمال عبد الناصر اتخذ القرار لأنه يعتبر أم كلثوم مطربة العهد الملكي البائد، وهو ما جعل عبد الناصر يسأله عن موقفه من أهرامات الجيزة ونهر النيل كونهم موجودين من العهود السابقة، وأمر بإلغاء قرار منع إذاعة أم كلثوم وإعادتها إلى منصبها كنقيب للموسيقيين.
غادر مصطفى أمين واتصل بأم كلثوم هاتفيا ليبلغها بقرار جمال عبد الناصر، فأكدت له أنها عرفت بما حدث، لأنها فتحت الإذاعة قبل قليل ووجدتها تعرض إحدى أغانيها.

ناصر بياع الكلام
 

دون ذنب، منعت الإذاعة المصرية إذاعة أغنية المطربة اللبنانية صباح "بياع الكلام" من البثّ على الإذاعة، حيث وجد المسؤولون في الاتحاد الاشتراكي في مصر وقتها أن حزب البعث العراقي يقوم بإذاعة الأغنية بعد كل خطاب للرئيس جمال عبدالناصر، وكأنهم يريدون توصيل رسالة للعالم العربي مفادها أن عبدالناصر يتكلم ولا يفعل شيئا، وأنه مجرد "بياع كلام".
أما أغنية خلي السلاح صاحي لعبدالحليم حافظ فقد تم منعها من الإذاعة بعد توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل بضغوط من تل أبيب، لأنها رأت فيها تهديدا للسلام وعودة لأجواء الحرب مع مصر، كما اعتبرتها أغنية تحريضية.
وبنفس أسباب التحريض، منع الأمن اللبناني القنوات التلفزيونية عام 1997 من بثّ أغنية "لازم غيّر النظام" لأسامة الرحباني بحجة انتقادها للسلطة اللبنانية والتحريض علي الثورة.

الحجار ومارسيل خليفة
 


وفي عهد الرئيس حسني مبارك تم منع أغنية "لم الشمل" للفنان علي الحجار أو مصادر الألبوم الذي حمل اسم الأغنية، بسبب كلماتها "لم الشمل بلاش تفكيكا.. ياللي بتلعب بالبوليتيكا.. عايز تاكل كل من قمحك.. عايز تعزف أعزف سيكا" التي كتبها الشاعر جمال بخيت، موجها فيها رسالة الي القيادة السياسية .
ومنع الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، بثّ أي أغنية لمارسيل خليفة عام 2005، وجاء ذلك بعدما اعتبرت أغاني خليفة تحريضية على قلب النظام إثر إصراره على قوله في أغلب حفلاته أنه متضامن مع كل سجناء الرأي في السجون العربية.

يا اخويا احنا في رمضان

الأسباب الدينية لمنع الأغاني كانت شائعة خلال فترات سابقة داخل الإذاعة المصرية، ومن أشهر الأغاني التى منعت لهذا السبب، كانت أغنية "ليه خلتني أحبّك" للمطربة  ليلى مراد التي تحتوي علي عبارتين "روح منك لله" و"ليه تهرب من ذنبك" واعتبر القائمون على الإذاعة وقتها ان فيهما مساسا بالثوابت الدينية.. 
أغنية للفنانة شادية منعتها الإذاعة ولكن المنع هنا جاء حتى قبل تسجيل الأغنية من قبل لجنة النصوص التى اعترضت على كلماتها، تقول الغنوة "لا يا خويا إحنا فى رمضان" وهي عبارة عن غنوة غرامية تدور أحداثها خلال شهر رمضان ما بين فتاة وحبيبها، كتبها الشاعر حسين السيد ولحنها الموسيقار محمد عبدالوهاب لتغنيها شادية لحساب الإذاعة المصرية، إلا أنها لم تسجل.

شادية الأكثر منعا

أغنية أخري لشادية وهي"مخاصمني بقاله مدة"، تم منعها بدعوي أنها تشجع علي المعاكسات التلفونية، وهي الاغنية الوحيدة التى تضم مقطع من أغنية أخري لعبد الحليم حافظ، ترسلها شادية عبر التليفون الأرضي في محاولة ناعمة وغير مباشرة منها لتصالح حبيبها، وتقول كلمات الأغنية " كلمته سمعت حسه وقفلت السكه تانى بالليل والدنيا ضلمة دورت نمرته، وسكت ما قلت كلمه وانا باسمع همسته .. قال أيوه الو.. مين؟.. وانا بايدى اليمين.. خدت السماعه ابوسها وقفلت السكه تانى". 
أما أول أغنية تم منعها لشادية، وتعترض عليها الإذاعة، بدعوى أن شادية كانت تؤديها بـ"دلع زائد عن الحد"، كانت أغنية "أحب الوشوشة" للشاعر حسين السيد والموسيقار رياض السنباطى، وكانت ضمن أحداث فيلم "ليلة من عمرى"، وكانت تغنيها فى الفيلم لزوجها وقتها الفنان عماد حمدى، غير أن هذا المنع لم يدم طويلًا فقد قامت شادية بتقديم الأغنية فى حفل نقلته الإذاعة عام 1955، وفى هذا الحفل خففت شادية من طريقة أدائها للأغنية التى كانت همسًا كما غنتها فى الفيلم، واعتمدت الإذاعة هذه النسخة .
 

عبدالوهاب يمنع أغنيته

بينما منع محمد عبد الوهاب أغنية لشادية من ألحانه لمدة 18عامًا، وهى أغنية "بسبوسة" التى لحنها لها لتقدمها فى فيلم "زقاق المدق"، كان الفيلم يتضمن أغنيتين هما "نو يا جونى نو" و"بسبوسة"، إلا أن المخرج حسن الإمام وجد أن مدة الفيلم طويلة فقرر الاستغناء عن أغنية من الاثنتين، وترك لشادية مهمة الاختيار، قررت استبعاد أغنية بسبوسة ما أثار غضب الموسيقار محمد عبدالوهاب وجعله يتوقف عن التلحين لها، وحجب الأغنية تمامًا عن الإذاعات والأسطوانات، حتى جاءه المنتج مراد نجيب رمسيس وطلبها منه ليضمها إلى أحداث فيلم "وادى الذكريات" للمخرج هنرى بركات، ووافق عبدالوهاب على خروج الأغنية بعد حجبها عقدين من الزمان.
 

تم نسخ الرابط